30 مليار دولار لإعادة إعمار لبنان ومصرف الإسكان مستعدّ للمساعدة
لا يمكن إعادة إعمار ما تهدم دون قرار سياسي دولي إقليمي يتفق مع تنازلات سياسية واسعة، فالظروف التي نعيشها اليوم مختلفة تماماً عن ظروف العام ٢٠٠٦ فقد كان البلد غنياً في ذلك الحين وكان الموقف العربي والدولي حول لبنان أقل حدة، كما أنّ حجم الدمار لم يبلغ ما نشهده اليوم
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
في اليوم التالي للحرب الإسرائيلية على لبنان.. من سيتولى إعادة الإعمار في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع؟ ثمة ما يدعو إلى القلق والتساؤل عن الجهة المانحة التي ستساند لبنان في محنته وتساهم في إعادة إعمار البلد المنكوب مع تزايد مشهد الدمار يوماً بعد يوم، خصوصاً وأنّ وزير الاقتصاد اللبناني في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام كان قد أكد أنّ خسائر لبنان بسبب الحرب التي تشنها إسرائيل كبيرة وإعادة الإعمار إذا توقفت الحرب ستتراوح بين 20 و30 مليار دولار.
ولأنّ الخسائر كبيرة والكلفة عالية، والدولة اللبنانية وحدها لا تستطيع تحمّل عبء إعادة الإعمار. أكّد المدير العام لمصرف الإسكان أنطوان حبيب لموقع “هنا لبنان” استعداده للتعاون مع الجمعيات الأهلية التي ستعتمدها الأمم المتحدة لتقديم المساعدات للبنان من أجل إعادة إعماره، مشيراً إلى العلاقة الوطيدة بين الدول العربية ومصرف الإسكان الذي استطاع كسب ثقتها”.
وأكد حبيب على أنّ “مصرف الإسكان مستعد للمساهمة بنهوض لبنان من جديد موجهاً نداءً إلى الأمم المتحدة والدول المانحة ومعلناً عن جهوزيته من أجل التعاون من أجل تقديم القروض السكنية الخاصة بالترميم والبناء والشراء”.
ولفت حبيب إلى أنه زار أبو ظبي والكويت وهناك مساعٍ للتواصل مع ممثلي الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي في لبنان لإبلاغهم بأنّ مصرف الإسكان حاضر للقيام بمهمة منح القروض للبنانيين، بهدف إعادة إعمار لبنان وليس بهدف كسب الارباح”.
ويقول حبيب: “همنا الأول مساعدة اللبنانيين كي يبقوا في وطنهم والنازحين كي يعودوا إلى منازلهم”.
الآثار الاقتصادية للحرب
أما من الناحية الاقتصادية فيلفت الخبير الاقتصادي البرفسور بيار الخوري إلى أنّ الحرب على لبنان كانت لها آثار اقتصادية سلبية كبيرة، شملت تدميراً واسعاً في البنية التحتية حيث تسببت المعارك في تدمير الطرق والجسور والمباني والمرافق العامة، مما يتطلب تكاليف إعادة إعمار باهظة لا يمكن حصرها قبل نهاية الحرب، ما هو متوفر من تقديرات يشير إلى خسائر تجاوزت نصف مليار دولار في قطاع الكهرباء، كما تتراوح نسبة الخسائر في المباني والممتلكات الخاصة بين ٢٠ و٩٠ بالمئة ولا يتوفر إحصاء أو مسح للبنية التحتية والتي يمكن أن تكون بالمليارات.
ويضيف الخوري: “ساهمت الحرب أيضاً في انخفاض النمو الاقتصادي، إذ يقدر أن الناتج المحلي الاجمالي قد يخسر قيمة سنوية لا تقل عن الثلث إذا استمر الوضع على ما هو عليه. كما أدى تدمير الشركات والمؤسسات لفقدان العديد من الوظائف وارتفاع معدلات البطالة وتعطيل الطاقة الإنتاجية للقوى العاملة والرساميل على حد سواء، وهذا الوضع عرضة للتفاقم بما يهدد المؤسسات الاقتصادية في المناطق كافة وليس فقط تلك التي تضررت من جراء الحرب. كما يؤدي انخفاض الإنتاج وزيادة الطلب على السلع الأساسية إلى ارتفاع الأسعار وتدهور القوة الشرائية للمواطنين.
ومن الآثار الاقتصادية للحرب يلفت الخوري إلى تدهور السياحة حيث أثر الصراع سلبًا على القطاع السياحي، مما أدى إلى انخفاض عدد السياح وتراجع الإيرادات السياحية خصوصاً وأن البلد كان يعيش أساساً على المواسم السياحية بين الصيف ورأس السنة.
ويشير الخوري إلى أنّ “وضع لبنان على اللائحة الرمادية في خضم الحرب فاقم إمكانية التواصل المالي الآمن مع المؤسسات المالية في العالم والبلد قد لا يكون جاهزا لإجراء الإصلاحات حتى لو توفرت النية في ظل تفاقم الفوضى”.
ويضيف: “كما أنّ المالية العامة كانت في وضع سيئ حتى قبل اندلاع الحرب وقد أدت الحرب إلى وقف التحصيل، وهناك خطر أن يعيد مصرف لبنان تمويل عمليات الحكومة بما يهدد الاستقرار النقدي الهش”.
وعن موقف مصرف الإسكان واستعداده للمساهمة في منح القروض وإعادة إعمار لبنان يقول الخوري، موقف مصرف الإسكان هو موقف عام لا يستند إلى حيثيات واقعية، الواقع أنّ مصرف الإسكان كما القطاع المصرفي والحكومة يواجهون وضعاً مختلفاً تماماً عن كافة الظروف التي واجهتنا طوال الأزمة المندلعة منذ العام ٢٠١٩”. ويتابع: “اليوم لبنان يحتاج لاستثمارات دولية ضخمة لاستعادة القدرة على تسيير الاقتصاد بالحد الادنى وليس لتلبية ورشة التنمية الشاملة. بالتأكيد سيكون هناك دور لمصرف الاسكان ولكن كجزء صغير وملحق بقرار إعادة إعمار أكبر بكثير وله طابع سياسي إقليمي ودولي يتجاوز فكرة الإسكان أو الاعمار بمعناه العقاري. لبنان وقع في حفرة شبيهة بحفرة اليمن وسوريا وهذا يعني أنّ إعادة إعماره قرار سياسي دولي وليس قراراً استثمارياً مهما كان”.
بهذا المعنى لا يمكن إعادة إعمار ما تهدم دون قرار سياسي دولي إقليمي يتفق مع تنازلات سياسية واسعة. فالظروف التي نعيشها مختلفة تماماً عن ظروف العام ٢٠٠٦، عندما كان البلد غنياً وكان الموقف العربي والدولي حول لبنان أقل حدة كما أنّ حجم الدمار اليوم أكبر بكثير.
قد نحتاج لتغيير البنية السياسية بالكامل من أجل الحصول على تمويل لإعادة الاعمار وهذا أصعب خيار يواجه لبنان بعد شروط وقف إطلاق النار، فقد دخل لبنان في نفق حربي سياسي اقتصادي لا نستطيع رؤية بصيص أمل في آخره.
مواضيع مماثلة للكاتب:
فضيحة “لقاح إنفلونزا”: صفقة في الخفاء.. هل تم بيعها لدول عربية؟ | في اليوم التالي للحرب.. شقق سكنية بأسعار مغرية في الضاحية الجنوبية! | “فساد ما بعده فساد”.. “سماسرة” داخل المكاتب في المرافق الحكومية! |