لا “حماس” لدى “الحزب”

“الحزب” سيدافع عن “حماس” والتنظيمات الفلسطينية الرديفة كما يدافع عن نفسِه، بل إنّه سيعمّق الشراكة معها لتحافظ على قوّتها. وهو ضمنًا يريد لها أن تحتفظ بسلاحها حتّى إشعارٍ آخر، سواء في خارج المخيمات أو في داخلها. فبقاء هذا السلاح سيؤدّي تلقائيًا إلى بقاء السلاح مع “فتح” أيضًا، وتاليًا إلى بقاء سلاحه خارج البحث. إذْ ليس منطقيًا نزع سلاح فريق لبناني على أرض لبنان، فيما السلاح الفلسطيني “يسرح ويمرح”.
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
لا يعرف أركان الحكم من أين يبدأون في معالجة ملف السّلاح. فالطرق إلى هذا الهدف تبدو محفوفةً بالمخاطر. وعليهم في النهاية إمّا أن يحسموا أمرهم وإمّا أن يعلنوا عجزهم عن الوفاء بالوعود التي قطعوها للأميركيين في هذا الشّأن. وحينذاك، ستتخذ الأمور اتجاهاتٍ غير محسوبةٍ.
حتّى اليوم، يبذل أركان الحكم جهودًا “ناعمةً” لدى “حزب الله” لإقناعه بالتخلّي عن سلاحه، لكنّهم استنتجوا مرةً أخرى أنّ تحقيق النتائج المطلوبة ليس سهلًا، لأنّ الملف مرتبط بصراعات الشرق الأوسط كلها.
وفي الموازاة، ثمّة عامل يرتدي أهميةً كبرى ويرتبط بسلاح “الحزب” هو مصير السلاح الفلسطيني في لبنان. فعلى مدى عقود، اعتاد اللبنانيون التفكير في أن أيّ برمجة لتسليم السلاح غير الشرعي للدولة لا بدّ أن تبدأ بالسلاح الفلسطيني قبل أي تفكير في سلاح “الحزب”.
قد يقول البعض إنّه من البديهي أن يكون نزع “سلاح الغرباء” أولويةً على نزع “السلاح البلدي”. ولكنّ “الحزب”، في الواقع، يستثمر هذه المقولة لتعطيل مسار التخلّي عن السلاح. فهو يفضّل تأجيل البحث في السلاح الفلسطيني، لئلا تنجح الجهود فيصبح هو وسلاحه في الواجهة، مع العلم أنّ التنظيمات الفلسطينية التي تمتلك السلاح خارج المخيمات هي كلّها جزء من أدوات محور إيران (وسوريا الأسد سابقًا)، أي أنّها تشكِّل مع “حزب الله” جزءًا من ترسانةٍ واحدةٍ، وتتحرّك تحت قيادةٍ واحدةٍ. وبديهي في هذه الحال أن يدافع عنها “الحزب” كما يدافع عن سلاحه، وفي عبارة أكثر دقّة، هو يدافع عنها لتبقى متراسًا متقدّمًا يحول دون الوصول إلى البحث في سلاحه.
وهذه التنظيمات الفلسطينية الحليفة لـ”الحزب”، وأبرزها اليوم “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، تنشط في داخل المخيمات أيضًا، حيث تنافس حركة “فتح”. ولذلك، وبمعزلٍ عمّا إذا كانت القيادة الفلسطينية في رام الله مقتنعةً بضرورة الاستجابة لمطالب السلطة اللبنانية الحالية بتسليم سلاح “فتح” أو لا، فإنّ هذه القيادة ستحاول التهرّب من هذا الاستحقاق، ليس فقط لأنّها تفضل الاحتفاظ بالسلاح كورقة ضغطٍ في لبنان، عمرها أكثر من نصف قرن، بل أيضًا لأن “فتح” تخشى أن ترمي سلاحها، فيما “حماس” و”الجهاد” مدجّجتان بالسلاح، وترتبطان بتحالف مع “حزب الله”، وهذا ما يمنحهما السيطرة على المخيمات بقوّة الأمر الواقع. ولذلك، كانت السلطة الفلسطينية تقول دائمًا إنّ على لبنان نزع سلاح التنظيمات الفلسطينية المعارضة أولًا، في خارج المخيمات وداخلها، وبعد ذلك لن تكون هناك مشكلة في سلاح “فتح”. وهذه النظرية هي التي سيجدّد الرئيس الفلسطيني محمود عباس طرحها في زيارته القريبة لبيروت الشهر الجاري.
وسيضع عباس في أيدي السلطة اللبنانية معلومات عمّا تقوم به “حماس” في لبنان، وعن التنسيق القائم بينها وبين “حزب الله”، باعتبارهما شريكيْن في المواجهة المفتوحة، ضمن استراتيجية وحدة الساحات، من غزّة الى لبنان. وهو ما يلقي الضوء على حيثيّات الأزمة التي انفجرت في الأردن بين العرش و”الإخوان المسلمين”، والتي كشفت عن تدريبات تلقّتها عناصر الخلايا “الإخوانية” على الأراضي اللبنانية. وهذا ما فتح الباب واسعًا للسؤال: هل إنّ المحور الذي أصيب بضربات أضعفته كثيرًا في غزّة ولبنان وسوريا واليمن يحاول إنعاش نفسه بالتوسّع نحو ساحاتٍ محاذيةٍ، ومنها الأردن والضفّة الغربية؟ وفي أي حال، هذا المحور لا يبدو حتى الآن مستعدًا لتقديم التنازلات أو القبول بتسويات سياسية تُنهي قدراته العسكرية، وعلى العكس، هو في صدد استخدام قدراته الباقية حتّى النهاية.
يعني هذا أنّ “حزب الله” سيدافع عن “حماس” والتنظيمات الفلسطينية الرديفة كما يدافع عن نفسِه، بل إنّه سيعمّق الشراكة معها لتحافظ على قوّتها. وهو ضمنًا يريد لها أن تحتفظ بسلاحها حتّى إشعارٍ آخر، سواء في خارج المخيمات أو في داخلها. فبقاء هذا السلاح سيؤدّي تلقائيًا إلى بقاء السلاح مع “فتح” أيضًا، وتاليًا إلى بقاء سلاحه خارج البحث. إذْ ليس منطقيًا نزع سلاح فريق لبناني على أرض لبنان، فيما السلاح الفلسطيني “يسرح ويمرح”.
وفوق ذلك، وفيما تشترط القوى الفلسطينية كافّة أن يحصل الفلسطينيون في لبنان على “الحقوق المدنية والاجتماعية” مقابل أي بحثٍ في نزع السلاح، لا يبدو “الحزب” متحمسًا لحسم هذا الملف، ويفضّل أنْ يغرق الجميع في جدلٍ داخليّ شرسٍ حول هذه المسألة، ما يتكفّل بتعطيل أي تسوية لملف السلاح.
واليوم، في غمرة الضّغوط التي يمارسها الأميركيون على الدّولة اللبنانية لإطلاق مسار واقعي وجدّي لنزع سلاح “الحزب”، توضع العصي في الدواليب، لمنع الدولة من نزع السلاح الفلسطيني. وسيكتشف أركان الحكم أنّ السلاح الفلسطيني وسلاح “حزب الله” يتبادلان الخدمات موضوعيًا. وفي أي حال، كلاهما يرتبطان بوظائف إقليمية. وسيكتشف الجميع أن لا “حماس” لدى “حزب الله” لا لتسليم سلاحه ولا حتّى لتسليم السلاح الفلسطيني الذي يعتبره أحد متاريسه الطبيعية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() “الدلع اللبناني السمج” يُتيح دورًا لسوريا! | ![]() خطة هجومية متكاملة دفاعاً عن السلاح | ![]() “الحزب” يحاول جدياً ترتيب مواقعه |