انطلاق موسم المعارض في لبنان: فرصة متجددة لاستنهاض الصناعة الوطنية؟


خاص 3 أيار, 2025

لا يختلف اثنان على أنّ المعارض تخلق ديناميكية محلية مرحلية: فهي توفّر فرصة للبيع المباشر، وتعزز فرص التشبيك بين الصناعيين والموزعين والمستهلكين، وتفتح نوافذ جديدة للتصدير. لكن في المقابل، يحذر الصناعيون من المبالغة في التعويل عليها كحل دائم، فرغم ضرورتها هي ليست بديلاً عن السياسات الصناعية الكاملة إذ تحتاج الصناعة اللبنانية إلى منظومة متكاملة من الدعم وتتمثل بتخفيف كلفة الإنتاج، تسهيلات تمويلية، إصلاحات ضريبية، وتطوير بنية تحتية تدعم الابتكار والتوسع


كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

مع حلول الربيع، يعود إلى لبنان حراك المعارض الصناعية والتجارية، حاملاً معه تطلعات المنتجين وأصحاب المشاريع لاستعادة الثقة بالاقتصاد الوطني الذي أنهكته الأزمات. فالمعارض باتت أكثر من مجرد مناسبات موسمية، بل تحوّلت إلى منصات تفاعلية تعكس صورة الصناعة اللبنانية، وتُعيد وصل ما انقطع بين المنتج والمستهلك في زمن الشك والضبابية الاقتصادية.
في ظل الانهيار المالي المتواصل وتراجع قدرة الدولة على تقديم الدعم المباشر، تشكّل المعارض اليوم بارقة أمل للقطاع الصناعي الذي يسعى جاهداً للتمسّك بما تبقى من السوق المحلية، والانفتاح مجدداً على أسواق خارجية.
هذه المعارض التي انتشرت في السابق في بيروت وسائر المناطق، تحت مسمّيات “صُنع في لبنان” أو “أسبوع الصناعات الغذائية” أو “معرض الحرف والابتكار”، ليست مجرّد تجمعات استعراضية، بل مساحات تواصل اقتصادي مباشر بين الصناعيين والمستهلكين، وبين المنتجات اللبنانية ومنافسيها من الأسواق المجاورة.
فهل تتحول هذه الفعاليات إلى خطوة ثابتة نحو إعادة بناء الثقة بالصناعة الوطنية؟
عضو مجلس إدارة جمعية الصناعيين اللبنانيين، المهندس إبراهيم الملاح، يقول في حديثه لـ”هنا لبنان” أنّ “هذه المعارض تُعتبر رافعة مهمة لإعادة تسليط الضوء على جودة الصناعة اللبنانية. مشيراً إلى أنّ “المعرض هو أداة ترويج فعّالة متى توفرت فيه شروط النجاح: التنظيم المحترف، التخصص القطاعي، ونوعية الجمهور المستهدف”.

ويشدد على أنّ “نجاح المعرض لا يقاس فقط بعدد الزوار، بل بنوعية العارضين والزائرين على حدّ سواء، مضيفاً، ليس كل معرض يُقام يحقق الهدف المنشود. بعض المعارض تتخذ طابعاً عاماً، فتصبح أقرب إلى الفعالية الترفيهية، بينما المطلوب هو التوجه نحو معارض متخصصة تستقطب الزبائن الجديين والمشترين المحتملين، سواء المحليين أو الأجانب”.
ويضيف أنّ “التحدي الأكبر يكمن في نوعية الجمهور، فهناك من يزور المعارض بدافع الفضول أو الترفيه، دون اهتمام فعلي بالمنتجات المعروضة، ما لا يخدم الصناعي الذي استثمر وقته وموارده للمشاركة. علينا أن نصل إلى الزائر المطلع، القادر على تقدير قيمة المنتج اللبناني”.
من الناحية الاقتصادية، لا يختلف اثنان على أنّ المعارض تخلق ديناميكية محلية مرحلية: فهي توفّر فرصة للبيع المباشر، وتعزز فرص التشبيك بين الصناعيين والموزعين والمستهلكين، وتفتح نوافذ جديدة للتصدير. لكن في المقابل، يحذر الصناعيون من المبالغة في التعويل عليها كحل دائم.
فالمعارض رغم ضرورتها ليست بديلاً عن السياسات الصناعية الكاملة. فالصناعة اللبنانية تحتاج إلى منظومة متكاملة من الدعم وتتمثل بتخفيف كلفة الإنتاج، تسهيلات تمويلية، إصلاحات ضريبية، وتطوير بنية تحتية تدعم الابتكار والتوسع.

من مناسبات موسمية إلى استراتيجية وطنية
ما يميّز هذا العام هو محاولة بعض الجهات الرسمية والخاصة تحويل المعارض من مناسبات موسمية إلى جزء من استراتيجية دعم الإنتاج المحلي. نرى ذلك من خلال الشراكات التي تنشأ بين البلديات، الغرف التجارية، الوزارات، والقطاع الخاص لتنظيم معارض متخصصة على مدار العام وفي مختلف المناطق.
هذا التوجه يُسهم في شمولية الفرصة الاقتصادية، بحيث لا تبقى الصناعة حبيسة بيروت والمدن الكبرى، بل تمتد لتشمل القرى والمناطق الطرفية، حيث تنشط صناعات غذائية، يدوية، وحرفية تتمتع بإمكانات تصديرية.
والمطلوب اليوم ليس فقط تنظيم معارض، بل ترسيخ ثقافة إنتاجية جديدة لدى اللبنانيين: ثقافة تقدير المنتج المحلي، ودعمه، والمفاضلة الواعية بين الجودة المحلية والمستوردة. وهنا، تلعب وسائل الإعلام والمدارس والجامعات دوراً في تعزيز هذه الثقافة.
كما يفترض أن يُسهم موسم المعارض في تعميم قصة النجاح اللبنانية، تلك التي كُتبت رغم كل شيء: انهيار اقتصادي، انقطاع الكهرباء، صعوبات الاستيراد، وغياب الدعم. فكل مصنع لبناني لا يزال يعمل اليوم هو شهادة حيّة على الإصرار والابتكار.

يبقى موسم المعارض في لبنان لعام 2025 محطة واعدة تحمل مؤشرات إيجابية، لكنه يشكّل في الوقت ذاته اختبارًا فعليًا لمدى قدرة اللبنانيين على التحوّل من التفاعل الموسمي إلى تبنّي رؤية استراتيجية طويلة الأمد تدعم الإنتاج المحلي بشكل مستدام.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us