تجار السياسة والدين


خاص 5 أيار, 2025

لا يحتاج المسيحيون في سوريا ولبنان إلّا إلى صمت تجار السياسة والدين، هؤلاء الذين لا يمكنهم العيش سوى على الجثث والدماء وقد فُتحت شهيّتهم الآن على دماء وأرواح المسيحيين معتقدين أنهم بذلك يستعيدون ما كانوا قد حصلوا عليه بالكذب والرياء

كتبت إليونور اسطفان لـ”هنا لبنان”:

أبدى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل قلقه على مصير المسيحيين في سوريا وهي ليست المرة الأولى التي يبدي فيها هذا القلق وهو بالتأكيد قلق نابع من محاولة استغلال الوضع في سوريا لتسجيل نقاط في لبنان ضد خصومه المسيحيين وفي مقدمهم القوات اللبنانية التي احتفلت بسقوط نظام الأسد.

لقد آمن التيار الوطني الحر وملهمه العماد ميشال عون ورئيسه النائب جبران باسيل أنّ نظام الأسد كان ضمانة للمسيحيين في سوريا ولكن السؤال الذي يوجه لهذا التيار هل كان نظام الأسد ضمانة للمسيحيين في لبنان؟

هذا السؤال هو بيت القصيد إلا إذا كان التيار وملهمه ورئيسه يرغبون مجدداً في زج اللبنانيين وتحديداً المسيحيين منهم في الأوضاع السورية، علماً أنه في التصريحات العلنية كان هذا التيار في تناقض فهو أعلن أكثر من مرة أنه ضد تدخل حليفه الدائم حزب الله في الحرب السورية، ولكنه كان أعلن في المقابل أكثر من مرة أيضاً أنه لولا تدخل حليفه في سوريا لكانت داعش سبت نساء المسيحيين في لبنان في ظل عجز الجيش اللبناني عن حماية البلاد كما كان يردد مسؤولون ومنتسبون إلى التيار.

لقد جعل التيار الوطني الحر من نظام الأسد حليفاً أساسياً له في ما يعرف بحلف الأقليات ولم تتبدل النظرة في التيار إلى هذا النظام حتى في الدقائق الأخيرة قبل سقوطه والدليل على ذلك أنّ التواصل بمختلف أشكاله بين الطرفين استمر من دون انقطاع ويمكن القراءة في التاريخ “الذهبي” للتيار زيارة العماد عون الشهيرة إلى سوريا وتكريسه بلدة براد السورية كمحج للمسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً فغدا بشار الأسد بالنسبة للعونيين بطريركاً مسيحياً لا سيما وأن علاقات هذا التيار مع بكركي لم تكن يوماً علاقات سوية.

دفع المسيحيون في لبنان منذ العام ١٩٧٥ ثمناً كبيراً جراء ممارسات نظام الأسد الأب والإبن، كما دفعوا ثمناً كبيراً جراء ممارسات ملهم ورئيس التيار، فالقوات الفلسطينية التي ارتكبت المجازر في الدامور وغيرها من البلدات والقرى دخلت من سوريا بتوجيه من نظام الأسد الذي قاتلت قواته المسيحيين في الأشرفية وقنات وزحلة وغيرها من المناطق، إضافة إلى مساهمتها في تهجير المسيحيين من الجبل ومناطق أخرى، وصولاً إلى اجتياح المناطق الحرة التي كان يسيطر عليها العماد ميشال عون وفرض تطبيق اتفاق الطائف وفق المفهوم الأسدي.

كل ممارسات النظام السوري هذه أدت إلى موجة تهجير وهجرة في صفوف المسيحيين ولكن ذروتها بلغت مع الحروب العبثية التي شنها العماد ميشال عون وقد دفع المسيحيون فيها الثمن الأكبر من حرب التحرير إلى حرب الإلغاء، وقد دمر العماد عون في هاتين الحربين الجيش اللبناني والقوة المسيحية العسكرية الأكبر وهي القوات اللبنانية ففتح المجال أمام أعداء المسيحيين لإستباحتهم ما أدى إلى أوسع موجة من الهجرة المسيحية من لبنان.

لم يكتف دعاة حماة المسيحيين بما ارتكبوه بالتضامن والتكافل مع النظام السوري فأرادوا إكمال هذه المؤامرة وعلى هذا الأساس كانت عودة العماد عون إلى لبنان وتحالفه مع حزب الله فغطى له استباحة الدولة التي هي المرجع الوحيد لمسيحيي لبنان و أيد وما زال سيطرة سلاح الحزب على قرار وسيادة الدولة وأعلن افتخاره بذلك آخذاً المسيحيين إلى خيارات ما كانوا يوماً يذهبون إليها ملحقاً إياهم بمشروع ديني متطرف.

لا يحتاج المسيحيون في سوريا ولبنان إلا إلى صمت هؤلاء تجار السياسة والدين، هؤلاء الذين لا يمكنهم العيش سوى على الجثث والدماء وقد فُتحت شهيتهم الآن على دماء وأرواح المسيحيين معتقدين أنهم بذلك يستعيدون ما كانوا قد حصلوا عليه بالكذب والرياء.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us