بعد 17 عامًا على “7 أيار المجيد”… الدولة تستعيد قرارها


خاص 7 أيار, 2025

تترافق الذكرى السنوية لـ “7 أيار” هذا العام مع بداية استعادة الدولة لدورها وحضورها ونفوذها، دولة قال رئيسها بالفم الملآن “لا سلاح إلّا سلاح الشرعيّة ولا سلطة تعلو فوق سلطة القانون”. تعدّ أحداث السابع من أيار عام 2008 الأكثر عنفًا منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 لا بل الأخطر في تاريخ لبنان. أحداثٌ خلّفت 71 شهيدًا من المدنيين الأبرياء ومئات الجرحى ودمّرت المنازل والممتلكات.

كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:

أذكر جيّدًا ذاك “اليوم المجيد”، يوم تحوّل نهارُ “بيروتَتِي” الجميلة الى ليلٍ أسود، يوم بكت العاصمة إثر غزوتها بلا سابق إنذار، يومَ ذُعِر أهلها وسكانُها من الاعتداء عليهم وتخويفهم بعراضاتٍ مسلحّةٍ. كان يومًا مشؤومًا أصاب في الصّميم كلّ لبناني تاركًا جرحًا عميقًا في نفوس كلّ من عاشه أو شهده.

منذ 17 عامًا وتحديدًا في 7 أيار عام 2008 كانت البداية، بداية سيطرة الدويْلة على الدولة، يومها استفاق أهل المدينة على خبر احتلالها من قبل مسلّحين انتشروا في شوارعها أينما كان، وكأنّ الحرب الأهليّة عادَت من جديد. عمليات خطفٍ وقتلٍ وتهديدٍ لسكّان بيروت الذين احتُجزوا في منازلهم واضطرّوا إلى نزع العلم اللبناني عن شرفاتهم (حيث ثبّتوه تخليدًا لـ”ثورة الأرز”) وذلك خوفًا من التعرّض لهم ولأطفالهم.

لا يبدو قرار الاعتداء على بيروت وأهلها وليد لحظته، لقد اتّخذ الحزب من قرارَيْ مجلس الوزراء القاضييْن بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة له وإقالة قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير ذريعةً لينقلب على الواقع السياسي الذي كان قائمًا بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ووصول أكثرية نيابية من فريق “14 آذار” الى المجلس النيابي تحت عنوان “لبنان أوّلًا”، فلم ينقلب الحزب على الأكثرية المنبثقة عن إرادة الناس في صناديق الانتخاب، بل انقلب على الدولة والمحكمة الدولية وأكثر من ذلك، انقلب على اتفاق “الطائف” الذي قام على المُناصفة، وتمكّن من خلال “اتفاق الدوحة” من إحكام قبضته على السّلطة بعدما مُنح “الثلث المعطّل”، محتكرًا التمثيل الشيعي والوزارات التي يريدها وحتّى قرار السلم والحرب. لم يكتفِ الحزب بذلك، بل ذهب إلى الانقلاب الأشمل حينما أطاح حكومة سعد الحريري بقوّة “القمصان السود” وشكّل حكومة اللون الواحد مع حليفه المسيحي “التيار الوطني الحرّ” بقيادة العماد ميشال عون، مُقصيًا “14 آذار” وباقي الشركاء عن السلطة، ومعهم الحريري نفسه عبر الـ”وان واي تيكت”.

في جعبة “أم خالد” الكثير من الذكريات المؤلمة لذاك اليوم المشؤوم، لا تنسى السيدة البيروتية كيف استجوب المسلّحون الملثّمون في منطقة المصيطبة ناطور البناية وأكرهوه على إعطائهم أسماء من هم مع “تيار المستقبل” من سكّان أهل المنطقة، “كانت لحظات رعبٍ كبيرةٍ ترافقت مع غصّةٍ خانقةٍ”. تسترجع “أم خالد” في ذهنها المشاهد السوداء والدموية، وتقول: “في قلبي حرقة لأنّ من هاجمنا هم أبناء الوطن، منذ ذاك الوقت تبدّلت نظرتنا للحزب لأن المقاومة تكون ضدّ العدو الإسرائيلي وليس ضد المدنيين العُزَّل وعلى الرَّغم من ذلك ما زلنا نفتح لهم بيوتنا في كلّ الحروب التي يَستدرجون لبنان إليها”.

لم يكن عدوان 7 أيار 2008 ضدّ “تيار المستقبل” وحده في بيروت ولا أهل السُنّة فحسب، يومها لم يزحف عناصر الحزب الى العاصمة فقط، بل طوّقت مجموعاته وحلفاؤه مناطق جبل لبنان، بهدف إخضاع زعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط الذي “تحمّس” كما قال، وأصرّ على نزع كاميرات المراقبة في المطار، المخصّصة لمراقبة قادة “14 آذار” الوافدين من الخارج. استفزّ المسلّحون أهل الجبل بأكمله، ودارت مواجهات عنيفة فدخل الجيش اللبناني مناطق الاشتباكات وبدأت الوساطات السياسية وسط غليان الشارع من “استقواء” فئةٍ على أخرى. لا ينسى الشيخ “أبو قاسم” تاريخًا “كرّس مفهوم الاستقواء على الدولة”، ويضيف: “بمجرّد أن وجّه الحزب بندقيته الى الداخل لم يعد مقاومةً بنظرنا، بل صار مسيطرًا على قرار الدولة، وما أتى استعراض يوم السابع من أيار (مع كلّ ما خلّفه من ضحايا) إلّا ليؤكّد أنّ مخالفة قراراته ستكون تلك نتيجتها”.

تترافق الذكرى السنوية لـ “7 أيار” هذا العام مع بداية استعادة الدولة لدورها وحضورها ونفوذها، دولة قال رئيسها بالفم الملآن “لا سلاح إلّا سلاح الشرعية ولا سلطة تعلو فوق سلطة القانون”. تعدّ أحداث السابع من أيار عام 2008 الأكثر عنفًا منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 لا بل الأخطر في تاريخ لبنان. أحداثٌ خلّفت 71 شهيدًا من المدنيين الأبرياء ومئات الجرحى ودمّرت المنازل والممتلكات، وصدّعت ما تبقّى من هيكل الدولة التي لطالما حلم اللبنانيون باسترجاعها.

صحيح أنه في 7 أيار 2008 تحوّلت أحلام اللبنانيين إلى كابوس، وانقلبت آمال بناء الدولة رأسًا على عقب، لكن اليوم وفي 7 أيار 2025 هم يعيشون تجلّيات بناء الدولة واستعادة قرارها وسيادتها، وهنا تكفي الإشارة إلى القرار الذي اتخذته دولة الامارات العربية المتحدة برفع الحظر عن سفر مواطنيها إلى لبنان وإعادة فتح سفارتها، مُعبّدةً الطريق أمام عودة الأشقّاء إلى ربوعه.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us