من الحماية الاجتماعية إلى التمكين الاقتصادي: نحو عقد اجتماعي جديد للفئات المهمّشة في لبنان

لبنان أمام خيارين: إما أن يعيد صياغة دوره كدولة راعية ومنتجة عبر عقد اجتماعي جديد، أو يستمر كـ”مساحة جغرافية” مفتوحة على كل أشكال التدخل والارتهان.. الفرصة ما زالت قائمة. ولكن لا أحد سيتبرع لنا بالحل
كتبت ديان سامر اللبّان لـ”هنا لبنان”:
منذ نهاية الحرب الأهلية وحتى اليوم، أخفقت الدولة اللبنانية في بناء عقد اجتماعي يعكس أولويات الناس واحتياجاتهم، خصوصاً الفئات المهمّشة. ولأكثر من ثلاثة عقود، ركّزت السياسات على النمو الريعي والمركزي، مدفوعة بولاءات سياسية ومحاصصة طائفية ومذهبية، فيما جرى تهميش مفهوم الدولة الراعية لصالح دولة تقتات على القروض والتحويلات والمساعدات الظرفية والإغاثية.
النتيجة؟ نظام هش، انهار أمام أول صدمة جدية في 2019. ارتفعت معدلات الفقر إلى أكثر من 50%، وتضاعفت البطالة، وانهارت الخدمات الأساسية وفق تقارير البنك الدولي، وتحوّل الناس إلى طوابير ذل أمام المولدات والصيدليات وأبواب السفارات. لكن ما هو أخطر من الانهيار الاقتصادي، هو الانهيار المعنوي: لم تعد الدولة تعتبر مرجعية – المواطن لا يثق، ولا ينتظر.
واليوم، يتزامن الانهيار اللبناني مع تحولات عالمية كبرى قد تسهم في إبقاء لبنان وطن الفرص الضائعة إذا إستمر بالاعتماد على المساعدات من الخارج وغض النظر عن القدرات المتوفرة في الداخل. في قمة مجموعة العشرين الأخيرة في ريو دي جانيرو، البرازيل، واجهت الاقتصادات الكبرى صعوبة في التوافق حول قضايا مثل العدالة الضريبية والتمويل لمحاربة مخاطر التحول المناخي. وفي اجتماع بريكس+ الأخير في قازان، روسيا، دعت الصين وروسيا إلى كسر هيمنة الدولار وبناء نظام مالي بديل. هذا التعدد في مراكز القوة يُبرز حقيقة جوهرية: لا أحد سيحمل عنا مشروع إنقاذنا. لا أحد سيتكفّل بنا في زمن التفكك الدولي.
من هنا، يجب أن ينبع الحل من الداخل، لا من الانتظار السلبي. لا يكفي انتظار المساعدات أو الاستثمارات الخارجية. المطلوب هو تحوّل نوعي في مقاربة الدولة للعدالة الاجتماعية، يبدأ بـ:
● برامج تحويلات نقدية موجهة ومشروطة مرتبطة بالصحة، التعليم، والعمل المجتمعي، تُمكّن الأفراد لا تُبقيهم أسرى المساعدات.
● دعم الاقتصاد الوطني من خلال دعم النشاطات الإقتصادية المحلية والمؤسسات الصغيرة في الزراعة، الحِرَف، والخدمات، بشراكات بين البلديات والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
● إعتماد اللامركزية التنموية بشفافية يضع القرار والموارد في يد المجتمعات المحلية، وتخضع للمساءلة.
إن تجربة العالم مع الأزمات المتكررة، من الكورونا إلى الحروب، أظهرت أن الدول التي تملك أنظمة حماية اجتماعية مرنة ومتجذرة، تكون أكثر صموداً واستقراراً. أما الدول التي تعيش على المساعدات، فتتفتت مع أول زلزال سياسي أو اقتصادي.
لبنان أمام خيارين: إما أن يعيد صياغة دوره كدولة راعية ومنتجة عبر عقد اجتماعي جديد، أو يستمر كـ”مساحة جغرافية” مفتوحة على كل أشكال التدخل والارتهان.
الفرصة ما زالت قائمة. ولكن لا أحد سيتبرع لنا بالحل. الإنقاذ يبدأ من هنا…هنا في لبنان من فكرة بسيطة وعميقة: العدالة الاجتماعية هي أساس الاقتصاد، لا نتيجة له.