الحوار حول السلاح لن ينطلق

يبدو ملف السلاح في سياق بالغ الخطورة، هو سياق العودة إلى الحرب. فـ”الحزب” قد يتمسك بما بقي له من ترسانة، إلى أن تقوم إسرائيل بتدميرها كما دمرت أجزاء واسعة من هذه الترسانة في أوقات سابقة. وهذا السيناريو كارثي على البلد، بكل المقاييس، مع أنّ تجنّبه ممكن بالتعقّل والحكمة
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
بعد الحرب وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، تولَّد انطباع بأنّ “حزب الله” سيرضخ للضغوط ويفتح حواراً حول السلاح، لكنه سيحرص على إبقاء هذا الحوار شكلياً، لأنه سيتجنب الوصول فجأة إلى نقطة يجد نفسه فيها مجبراً على التخلي عن سلاحه.
حتى إن الرئيس جوزاف عون بدا حينذاك واثقاً في أن الحوار سينطلق، بعد إتمام بعض الترتيبات البسيطة. وراهن على أن “الحزب” سيقتنع بأن مصلحته تقضي بأن يسلم سلاحه إلى الدولة، بعد الضربات الهائلة التي تلقاها وجعلت من السلاح عبئاً ثقيلاً على أصحابه. وقد تجرّأ عون على قطع تعهدات للمجتمع الدولي بأن لا سلاح سيبقى في لبنان خارج الجيش والقوى الشرعية، ولو استغرق إنضاج الصيغ المناسبة بعض الوقت.
اليوم، وتحديداً بعدما انطلقت المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، تبين أن تفاؤل رئيس الجمهورية أكبر مما يسمح به الواقع. فـ”الحزب”بدأ يكشف فعلاً حقيقة موقفه خارج دائرة المناورة، وأعلن على ألسنة القيادة والكوادر الأساسيين أنه أبداً لن يسلم السلاح إلى الدولة. بل إنه تجرّأ للمرة الأولى على اتهام هذه الدولة بالتخاذل والتنازل عن دورها في طرد إسرائيل من الأراضي التي ما زالت تتموضع فيها، علماً أن أحداً في أي بلد عربي لا يستطيع ممارسة ضغط على إسرائيل يجبرها على الخروج من أراضيه. فالجميع يعرف أن التوازن مختل بقوة، لمصلحة إسرائيل، بينها وبين أي دولة عربية.
يسارع “حزب الله” إلى لوم الدولة على فشلها في تأدية هذه المهمة التعجيزية. وينطلق من هذا اللوم ليقول: نرفض أي حوار مع رئيس الجمهورية حول سلاحنا، إلى أن تلتزم الدولة بما تعهدت به. فلينسحب الإسرائيليون أولاً، ولتُعِد الدولة بناء قرانا المهدمة فيرجع إليها الأهالي، وبعد ذلك، يمكن التفكير في التحاور حول وظيفة السلاح المستقبلية، ولكن في أي حال ممنوع نزعه.
وفي الحقيقة، ازداد موقف “الحزب” تصلباً في الأسابيع الأخيرة. فهو اليوم يرفض انطلاق الحوار من أساسه، لئلا يسجل على نفسه الاعتراف بأنه مستعد للنقاش حول نزع السلاح، أو لئلا يضطر لاحقاً إلى القتال من أجل تعطيل القرار بنزع السلاح.
وفي العمق، يعتقد “الحزب” أن أمامه فرصاً لا يستهان بها لتعطيل الحوار أو لتأخيره مدة غير محددة، ما دامت المفاوضات دائرة على خط طهران- واشنطن. وهو يرى في هذه المفاوضات فرصة محتملة للتخلص من استحقاق الحوار حول نزع السلاح. فإيران، في رأيه، تتمتع بما يكفي من الحنكة لتحافظ في المفاوضات على ماء وجهها، وهي قد “تنجو”، وتخرج بصفقة كبرى متوازنة تسمح لها باستئناف دعم حلفائها في الإقليم. ولذلك، لا داعي للاستعجال في تسليم أوراق القوة إلى أحد. وهو يعتقد أن الضغوط التي تمارس عليه ما زالت ضعيفة نسبياً، ولا تكفي لدفعه إلى الحسم.
وفي أي حال، رفعت طهران نبرة رفضها للمس بسلاح “الحزب”، بشكل غير مسبوق. وهي تريد تثمير هذا التصعيد كورقة ضغط في مفاوضاتها مع الأميركيين، كما تريده لقطع الطريق باكراً، على أي مسار فعلي نحو تسليم السلاح.
واللافت في المقابل أن أركان الحكم، توقفوا تقريباً عن إطلاق التعهدات بحصر السلاح بيد الدولة، ربما ترقباً للتطورات، ربما للحد من مخاطر التصادم الداخلي حول هذا الملف.
ويقول قريبون من أركان الحكم إن ما من طرف دولي أو عربي سيتدخل لمعالجة أي اشتباك داخلي قد يقع حول ملف السلاح، وأن ثمن المواجهة سيدفعه اللبنانيون وحدهم.
إذاً، لا شيء حتى الآن يجبر “حزب الله” على الانطلاق في الحوار حول سلاحه. وقد تؤثر المفاوضات الأميركية- الإيرانية على الملف، في هذا الاتجاه أو ذاك، لكن الحسم الفعلي لمصير “حزب الله” وسلاحه مرهون بأمر واحد: إنه الحرب الإسرائيلية في لبنان.
ففي الواقع، لولا الحرب التي دارت في الخريف الماضي لما طرح أحد في لبنان ملف السلاح، ولما كان “الحزب” مستعداً لسماع أي رأي، سواء جاء من جانب أركان الحكم أو من قوى المعارضة أو أي طرف دولي أو عربي.
ولذلك، يبدو ملف السلاح في سياق بالغ الخطورة، هو سياق العودة إلى الحرب. فـ”الحزب” قد يتمسك بما بقي له من ترسانة، إلى أن تقوم إسرائيل بتدميرها كما دمرت أجزاء واسعة من هذه الترسانة في أوقات سابقة. وهذا السيناريو كارثي على البلد، بكل المقاييس، مع أنّ تجنّبه ممكن بالتعقل والحكمة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() لا “حماس” لدى “الحزب” | ![]() مخاطِر الحرب وتوسيع التواجد العسكري إلى الليطاني | ![]() في أي منطقة من لبنان تدرَّبت الخلايا الأردنية؟ |