البابا الجديد تبنّاه فرنسيس… فهل سيسلك طريقه؟!

ظهر تأثّر البابا لاوون الرابع عشر بنشأته “الأميركية اللاتينية” من خلال إصراره على توجيه رسالة في الكلمة التي وجّهها فور انتخابه إلى ناسِه باللغة الإسبانية وليس الإنكليزية. في المقابل، أراد ان يثبّت رسالته الانسانية العالمية من خلال عزمه على بناء “جسور بين مواقع مختلفة كثيرًا فيما بينها تاريخيًا وجغرافيًا واجتماعيًا وثقافيًا”، كما قال.
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
هل ستحافظ الكنيسة الكاثوليكية على نهج البابا فرنسيس؟ كان هذا السؤال الأهمّ والأكثر إلحاحًا الذي ساد فورًا بعد وفاة البابا الأرجنتيني الأصل الذي أحدث ثورةً اصلاحيةً في الكنيسة على الصعيديْن الدّيني – القيَمي والاجتماعي. أما السؤال الثاني فتمحور حول ما إذا كان خليفته سيكون إيطاليًا أم من جنسيةٍ أخرى على اعتبار أنّ معظم الباباوات الذين بلغوا 267 كانوا إيطاليين، والمجمع الانتخابي يضم كرادلةً من مختلف الجنسيات بمن فيهم بعض العرب مثل اللبناني بشارة الراعي الذي لم يتمكّن من المشاركة لأنه تجاوز السنّ (الثمانون) والعراقي لويس ساكو. لكنّ المفاجأة كانت انتخاب أوّل بابا من أصل أميركي هو الكاردينال روبرت فرنسيس بريفوست، وهو البابا الرابع غير الإيطالي منذ نحو 47 سنة حين انتُخب البابا البولوني يوحنا بولس الثاني عام 1978 والذي استمرّ على رأس الكنيسة 27 سنة لغاية 2005، والذي جاء اختياره على إثر الموت المفاجئ لسلفه يوحنا بولس الأول بعد شهر فقط على انتخابه.
وبعد وفاة يوحنا بولس الثاني المُعادي للأنظمة الشيوعية، تمّ انتخاب بابا محافظ من أصل ألماني هو بينديكتوس السادس عشر، والاثنان زارا لبنان. وبعد ثماني سنوات، توفي الألماني ليخلفه بابا بيرغوليو الأرجنتيني عام 2013 والذي تميّز بدوره الاصلاحي الذي قارب الثورة داخل الفاتيكان على البيروقراطية والفساد، مقابل الدفاع عن الفقراء والمهمّشين والمهاجرين وعلى إعطاء المرأة حقوقها ومنحها دورًا ضمن التراتبيّة في الكنيسة.
فهل يمكن القول إنّ لاوون الرابع عشر (هذا اسم البابا الجديد) هو خليفة فرنسيس؟ البابا الجديد هو أميركي شمالي الجنسية من شيكاغو ولكنه أميركي – لاتيني المنشأ حيث تدرّج في البيرو لاهوتيًا واجتماعيًا واصبح رئيسًا عامًا لرهبنة القديس أغسطينوس وتطبّع باهتماماتها ورسالتها الإنسانية، كما أصبح رئيسًا لأساقفة البيرو مع انتخاب البابا فرنسيس الذي عيّنه أخيرًا قبل سنتيْن فقط كاردينالًا، ثم انتقل إلى روما حيث أصبح رئيسًا لدائرة تعيين الأساقفة حول العالم. فهل هذا ما مكّنه من توسيع دائرة علاقاته وتوثيقها بالكرادلة؟ وقد ظهر تأثّره بنشأته “الأميركية اللاتينية” من خلال إصراره على توجيه رسالة في الكلمة التي وجّهها فور انتخابه إلى ناسِه باللغة الإسبانية وليس الإنكليزية. في المقابل، أراد ان يثبّت رسالته الانسانية العالمية من خلال عزمه على بناء “جسور بين مواقع مختلفة كثيرًا فيما بينها تاريخيًا وجغرافيًا واجتماعيًا وثقافيًا”، كما قال.
فهل هذا يكفي لاعتبار أنّه سيسير على خطى فرنسيس؟ اختيار البابا الجديد اسم لاوون يؤشر إلى أكثر من توجّهٍ ومرجعيةٍ لكثرة البابوات الذين اتخذوا هذا الاسم، غيْر أن التأثير يتّجه إلى آخرهم وهو البابا لاوون الثالث عشر (1878 – 1903)، الذي تمكّن من مواجهة تحدّيات الحداثة والذي ساعد الكنيسة على الخروج من عزلتها، والتخلّي عن اعتبار نفسِها هي المرجعية الوحيدة. وقد امتاز بتركيزه على القضايا الاجتماعية لدرجةٍ أنّه حاز لقب “بابا العمال”. كما ركّز على السلام بين الشعوب الذي تكرّر في كلمته أكثر من عشر مرات “لأن الله يحبّ الجميع”. وفيما يخصّ الأداء فقد ركّز على مفهوم “الكنيسة المجمعية” التي تقوم على الخيارات والقرارات الجماعية عبر نظام “السينودس” الذي تتناقش فيه مختلف الشرائح المعنيّة في القضية.
غيْر أنّ هذا البابا الذي انتُخب أوّل من أمس تميّز بعدم التزامه سلوك “وهندام” سلفه حين عاد إلى الثّياب التقليدية الحمراء الأرجوانية التي يرتديها عادةً البابوات والصليب المذهّب في العنق اللذيْن تخلّى عنهما البابا فرنسيس، فهل سيعود إلى السكن في الجناح المخصّص للباباوات الذي تخلّى عنه أيضًا سلفه؟ وبما أنّ اسمه لم يكُنْ بين الأسماء المطروحة عشية الاستحقاق فكيف تمكّن من الحصول على أكثريةٍ أوصلته وفي هذا الوقت السريع، إذ إنّ مجمع الكرادلة الانتخابي لم يستمرّ أكثر من ثمانٍ وأربعين ساعة، وهو من السوابق القليلة التي تحصل لانتخاب “الحبر الأعظم”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() 7 أيار.. من يوم “مجيد” إلى يومٍ “حزين” | ![]() “الحزب” بين تحدّي عون والضربة القاضية | ![]() قاسم يُحضِّر للتنازل… بحربٍ كلامية |