رصاصةٌ بلا اسم… وضحيةٌ بلا ذنب!


خاص 13 أيار, 2025

الحلّ ليس في المزيد من النصوص القانونية، بل في تفعيل ما هو موجود، وإنهاء سياسة “غضّ النظر”، وفرض المحاسبة الجدية على مُطلقي النار، بغضّ النظر عن طوائفهم أو ارتباطاتهم. كما أنّ التغيير الثقافي ضروري، من خلال إدماج التوعية في المناهج التربوية، وإطلاق حملات إعلامية وطنية تؤكد أنّ السلاح ليس وسيلةً للاحتفال.

كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:

في لبنان، لم تعد الرصاصة الطائشة حدثًا استثنائيًا أو خبرًا طارئًا يتصدّر النشرات، بل أصبحت جزءًا من المشهد اليومي المألوف. في كلّ مناسبةٍ، من حفلات الزفاف إلى الجنازات، من الاحتفالات الشعبية إلى لحظات الغضب والانفعال، تُطلق النيران في الهواء وكأنّ الأرواح بلا ثمن، وكأنّ الحياة مجرّد تفصيل لا يستحقّ الحماية. هكذا تسقط الضحايا، أبرياء لا ذنب لهم، تُصيبهم رصاصة لا تحمل اسمًا، لكنّها تعرف جيدًا كيف تُصيب وتُفجع وتترك خلفها مأساة لا تُنسى.

وراء كلّ رصاصة طائشة، قصة إنسانية موجعة. طفلٌ كان يلهو أمام منزله، أمٌّ كانت تحتضن رضيعها، شابٌ عائد من عمله أو طالبةٌ على شرفة منزلها… مشهد يتكرّر من دون سابق إنذار، يحوّل الفرح إلى حزنٍ، والاحتفال إلى مأتمٍ، والأمل إلى فاجعةٍ. والمأساة الأكبر أنّ هذه الجرائم تمرّ في الكثير من الأحيان من دون محاسبةٍ فعليةٍ، كما لو أنّ الضحية سقطت بـ”الصدفة”، وكأنّ الموت العشوائي أصبح جزءًا من “القدر اللبناني”.

على الرَّغم من وجود قوانين واضحة وصريحة تجرّم إطلاق النار العشوائي، فإنّ هذه القوانين تبقى في الكثير من الأحيان حبرًا على ورق، عالقةً بين ضعف الإرادة السياسية وتراخي الجهات الأمنية، وبين الغطاء الذي توفّره الزبائنيّة السياسية والعشائرية لمُرتكبي هذه الجرائم. في الكثير من الحالات، يكون مُطلق النار معروفًا بالاسم، وربّما بالصوت والصورة، لكنّ التدخّلات السياسية كفيلة بإقفال الملف، أو تحويله إلى “حادثٍ غير مقصود”… والتبريرات جاهزة: “ما كان قصده”، “كان فرحان”، “العيار طلع بالغلط”، فيما الجريمة تبقى جريمةً، والموت يبقى موتًا، والدم لا يُغسل بالتبريرات.

المشكلة لا تكمن فقط في غياب الرّدع، بل في ثقافةٍ مجتمعيةٍ ترسّخت على مدى سنوات، تُشرْعنُ السلاح الفردي، وتعتبر إطلاق النار نوعًا من التعبير عن الذّات، أو استعراضًا للهيبة والسلطة. هذه الذهنيّة لا يمكن فصلها عن الواقع الأمني المهتزّ في لبنان، ولا عن فوضى السلاح المنتشرة من دون ضوابط، في بلدٍ يتراجع فيه حضور الدولة لحساب السلاح المتفلّت والسلطات البديلة.

الحلّ ليس في المزيد من النصوص القانونية، بل في تفعيل ما هو موجود، وإنهاء سياسة “غضّ النظر”، وفرض المحاسبة الجدية على مُطلقي النار، بغضّ النظر عن طوائفهم أو ارتباطاتهم. كما أنّ التغيير الثقافي ضروري، من خلال إدماج التوعية في المناهج التربوية، وإطلاق حملات إعلامية وطنية تؤكد أنّ السلاح ليس وسيلةً للاحتفال، وأنّ التعبير لا يكون على حساب دماء الأبرياء.

الرصاصة الطائشة لا تختار من تُصيب، لكنّها دائمًا تترك وراءها جسدًا هامدًا، وعائلةً مكسورةً، وذكرى موجعةً لا تُشفى. ما لم يتحرّك المجتمع والدولة معًا، فسيبقى الخوف معلّقًا في الهواء، وستبقى كلّ لحظة فرح مهددة بأن تتحوّل إلى مأساةٍ جديدة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us