روجيه زيادة لـ”هنا لبنان”: الاقتراع حقٌّ لا مِنَّةً… وماذا يقول عن صرخة ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان؟

في بلدٍ يتغنّى بديموقراطيته وتنوّعه، لا تزال فئة واسعة من المواطنين تُقصى عن المشاركة الكاملة في الحياة السياسية. إنّهم أصحاب الهمم، الذين يشكّلون نحو 15% من الشعب اللبناني، ويصرخون منذ سنوات لنيل أبسط حقوقهم: الوصول إلى صندوق الاقتراع بحريةٍ وكرامةٍ، من دون عوائق ومن دون مِنّة.
شاهدنا في الجولتيْن الأولى والثانية من الانتخابات البلدية والاختيارية مآسٍ حقيقية، إذ تعرّض العديد من المسنّين وذوي الاحتياجات الخاصة للإهانة والذلّ في مراكز الاقتراع. بعضهم حُمل على الأدراج، وآخرون تُركوا في الزوايا عاجزين عن الوصول، فيما حُرم الكثيرون من حقّهم في الاقتراع لعدم توافر التجهيزات اللوجستية الأساسية. فهل يُعقل أن تستمرّ الدولة اللبنانية في تجاهل هذا الحق الدستوري؟ وهل تبقى صناديق الاقتراع حكرًا على القادرين جسديًا فقط؟
يؤكد د. روجيه زيادة المعالج الفيزيائي والناشط الاجتماعي والأستاذ الجامعي، في حديث لـ”هنا لبنان” أن “القانون رقم 220/2000 الصادر عام 2000، وتحديدًا في المادة 29 منه، أتى ليُكرّسَ حقّ كلّ شخصٍ من ذوي الاحتياجات الخاصة في الاقتراع والترشح. هذه الشريحة، التي تُشكّل ما يقارب 15% من الشعب اللبناني، تملك الحقّ في أن تختار ممثليها، كما لها الحق في محاسبتهم على أدائهم، لأنها متساوية معنا في الحقوق والواجبات. كما تقع على الدولة اللبنانية واجبات تجاههم، ولهم حقوق عليها، وهذا الحق هو حق ديموقراطي كرّسه الدستور اللبناني”.
مراكز اقتراع ميسّرة: ضرورة لا خيار
أمّا بالنسبة لمراكز الاقتراع، فيقول زيادة إنّه يجب أن تكون ميسّرةً ومجهزةً لكي يتمكّن جميع الأشخاص ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة، لا سيما من لديهم إعاقة حركية ويتنقّلون على كراسٍ متحرّكةٍ، من الوصول والاقتراع بكرامة واستقلالية تامة. ويضيف: “لا يجوز أن ينتظروا من أحد، لا من أزلام المرشّحين ولا من الدفاع المدني المشكور، أن يحملهم على الأدراج. كذلك، فإنّ المسنّين يعيشون المعاناة نفسها. وشاهدنا خلال الانتخابات النيابية الماضية مشاهد عدّة مؤلمة، لأشخاصٍ يُرفعون على السلالم للوصول إلى صناديق الاقتراع، أو يُنسَون في الطوابق. هؤلاء الأشخاص يعانون من ضعفٍ عامٍّ في بنية الجسد، وأحيانًا يُؤذون جرّاء الحَمل الخاطئ، كما أنّهم يصبحون عرضة للتنمّر”.
شروط مراكز الاقتراع الميسّرة
ويُكمل زياده أنّ المطلوب هو “مراكز اقتراع ميسّرة فعليًا، أي أن تُخصَّص أقلام الاقتراع في الطوابق الأرضية، لا في الطوابق السفلية ولا العليا، خصوصًا أنّ المرافق العامة للدولة غير مجهّزة، وكلها أبنية قديمة. لذلك، يجب أخذ صعوبة تنقّل هؤلاء الأشخاص بعين الاعتبار، ليتمكّنوا من الدخول بأنفسهم، والتنقّل بحرية، والوصول إلى صندوق الاقتراع المنخفض، والدخول خلف العازل بمفردهم”.
الاقتراع بلغة برايل: احترامٌ للإرادة والاستقلالية
ويتابع زيادة: “هناك أشخاص يعانون من كفّ بصر، ويجب تأمين أوراق الاقتراع المطبوعة بلغة برايل، أي بالأحرف النّافرة، كي يتمكّن كل شخص كفيف من اختيار مرشّحه بحرّيةٍ تامةٍ، من دون الحاجة إلى وجود شخصٍ آخر يُملي عليه أو يُوجّهه. لأن في ذلك مسًّا بالمصداقية والاستقلالية والإرادة الفردية”.
هذا ليس امتيازًا بل حقّ
ويّشدّد زيادة: “ما نطالب به اليوم ليس امتيازًا، بل هو حقّ كرّسه الدستور اللبناني، وأتى القانون 220/2000 ليُعيد التأكيد عليه. نحن أمام مشهدٍ بات يتكرّر: السياسيون والمرشّحون لا يرون النّاخبين إلّا يوم الاقتراع، وبعدها يُهملونهم لأربع أو ست سنوات. أمّا في هذه الحالة، فلم يَفِق أحد على هذه الشريحة ليُطالب لها بحقوقها من الدولة اللبنانية”.
لبنان يُقصّر… والعالم يُنصف
يقول زيادة بأسف: “في كل دول العالم، تحظى هذه الشريحة بالأولوية في الاهتمام، إلّا في لبنان. نحن دائمًا نُجبَر على الاستجداء للحصول على حقوق هذه الشريحة، وغالبًا لا نحصل عليها. والمشاهد نفسها تتكرّر في الجولتين الأولى والثانية من الانتخابات البلدية والاختيارية، وستخضع للتكرار ذاتِه في الجولتين الثالثة والرابعة. والأسوأ أنّ الحرب الأخيرة زادت من عدد ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن المكفوفين، مما يزيد من إلحاحية تأمين الحقوق والكرامة لهذه الفئة”.
أملنا في الانتخابات النيابية المقبلة
ويختم د. روجيه زياده حديثه لـ”هنا لبنان”: “على أمل أن يكون هذا الواقع حافزًا لوضع خطةٍ شاملةٍ، تسبق الانتخابات النيابية المقبلة التي ستُجرى بعد أقلّ من سنة، تأخذ في الاعتبار حاجات ذوي الاحتياجات الخاصة، وتمكّنهم من المشاركة بحرّيةٍ واستقلاليةٍ، أسوةً بجميع المواطنين. فالاقتراع ليس فقط حقًّا، بل هو فعل كرامة، وصوت لا يجوز تجاهله”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() الجيش الإسرائيلي: مقتل قائد في حزب الله بغارة على قعقعية الجسر | ![]() رحيل السيدة نهاد الشامي الشاهدة الأشهر لمعجزات القديس شربل | ![]() رسامني عقد سلسلة اجتماعات دبلوماسية وإنمائية |