لبنان على هامش القمّة الخليجية – الأميركية: فرصة تاريخية أم عزلة مرتقبة؟!


خاص 16 أيار, 2025

يقف لبنان اليوم أمام مفترق طرقٍ حاسمٍ، تفرضه معطيات إقليمية ودولية لا ترحم التردّد أو الغموض. لم يعد مسموحًا انتظار نتائج المفاوضات الأميركية – الإيرانية أو المراهنة على الوقت، بل بات مطلوبًا من الدولة اللبنانية اتخاذ خطوات واضحة وجريئة، تعيد الاعتبار إلى مؤسّساتها، وتثبت التزامها بالشرعية الدولية، وتبني على ما تبقّى من ثقة الخارج.

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

بين تصاعد الديناميكيّات الإقليمية وتحرّكات القوى الدولية، يجد لبنان نفسَه في قلب تحوّلات جيوسياسية كبرى تشهدها منطقة الشرق الأوسط. فالقمّة الخليجية – الأميركية التي عقدت مؤخرًا، على الرَّغم من غياب لبنان الرّسمي عنها، حملت في طيّاتها رسائل واضحةً تجاهه، خصوصًا ما يتعلق بدورِه المستقبلي في المنطقة، وسط اشتراطاتٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ باتت تُطرح علنًا، أبرزها مسألة سلاح “حزب الله” وعلاقة بيروت بطهران.

وفي وقتٍ تسعى فيه الولايات المتحدة إلى إعادة تموْضعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ضمن تسوياتٍ محتملةٍ مع إيران وانخراطٍ أوسعٍ مع الخليج، يبدو أنّ لبنان أُعيد إدراجه كورقةٍ تفاوضيةٍ، ترتبط بالأمن الإسرائيلي من جهةٍ، وبالمشاريع الاقتصادية الخليجية من جهةٍ أخرى. فهل سيتمكّن لبنان من اقتناص هذه “الفرصة التاريخية” كما وصفها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أم أنّ تعقيدات الداخل وتشابك المصالح الإقليمية ستبقيه على هامش التسويات الكبرى في المنطقة؟

لبنان في قلب الحسابات الأميركية

الكاتب والمحلّل السياسي والخبير في الشؤون العسكرية أكرم سريوي يرى، في حديثٍ لـ “هنا لبنان”، أنّ “موقع لبنان الجيوسياسي يمنحه أهميةً كبرى في عيْن صانع القرار الأميركي، على الرَّغم من أنّه لم يكن جزءًا مباشرًا من القمّة، مشيرًا إلى أنّ السياسة الأميركية في الشرق الأوسط تركّز اليوم على جانبيْن متكامليْن: تعزيز الشراكة الاقتصادية مع دول الخليج، وخلق بيئةٍ إقليميةٍ مستقرّةٍ تسمح بنجاح هذه الاستثمارات”.

ويقول سريوي إنّ “هذه الأولويات تفرض على واشنطن التعاطي بجدّية مع الملف اللبناني، خصوصًا أنّ الاستثمارات الخليجية لا يمكن أن تتحقّق من دون بيئةٍ آمنةٍ ومستقرّةٍ. ويعزّز هذا التوجّه، وفق قوله، مشروع بناء واحدة من أكبر السفارات الأميركية في العالم في بيروت، ما يؤكّد أن الولايات المتحدة تنظر إلى لبنان كبوابةٍ رئيسيةٍ لنفوذها في الشرق الأوسط الجديد”.

لكن في المقابل، يعتبر سريوي أنّ “دخول الولايات المتحدة إلى الساحة اللبنانية بشكل أوسع لا يزال مؤجّلًا، نتيجة استمرار العقبات الأساسية، وعلى رأسها سلاح “حزب الله”، والوجود الإيراني داخل المؤسّسات، إضافةً إلى غياب الاستقرار على الحدود الجنوبية.

أمن إسرائيل كأولوية أميركية

في سياق متّصل، يشير سريوي إلى أنّ “أمن إسرائيل يبقى أولويةً أميركيةً لا تقبل المساومة. ويضرب مثالًا على البراغماتية الأميركية في التعامل مع الخصوم السابقين، فيقول إنّ الإدارة الأميركية لم تتردّد في تغيير موقفها من الرئيس السوري أحمد الشّرع، من “إرهابي” إلى “رئيسٍ شجاعٍ”، فقط لأنه أبدى استعدادًا للانخراط في اتفاق سلامٍ مع إسرائيل ضمن الاتفاقات الإبراهيمية. هذا النموذج يوضح بجلاءٍ أن واشنطن مستعدة لإعادة تقييم تحالفاتها ومواقفها وفقًا لمصالحها الاستراتيجية”.

غياب لبنان عن القمّة: قرار محسوب

انطلاقًا من هذا الفهم البراغماتي، يفسّر سريوي استبعاد لبنان من القمّة الخليجية – الأميركية بأنه “قرار مبني على حسابات دقيقة. فالرئيس اللبناني جوزاف عون لا يقدّم التزاماتٍ مرضيةً لواشنطن أو حلفائها: لا بوعدٍ بنزع سلاح “حزب الله”، ولا بالانضمام إلى اتفاقيات السلام، بل يتمسّك بالمطالب اللبنانية التقليدية كعودة إسرائيل إلى حدود 1949. وهذه المواقف وإن كانت منسجمةً مع السيادة اللبنانية، إلّا أنّها تضع بيروت خارج إطار المشاريع الإقليمية التي تتشكّل اليوم برعاية أميركية وخليجية”.

المفاوضات الأميركية – الإيرانية ومصير “حزب الله”

ويتابع سريوي أنّ “الأميركيين يركّزون اليوم على التوصّل إلى “اتفاقٍ شاملٍ” مع إيران، يتجاوز الملف النووي إلى إعادة ترتيب مناطق النفوذ. وهنا تبرز خصوصيّة لبنان، حيث من المتوقّع أن يشكّل سلاح “حزب الله” أحد محاور التفاوض، ليس بهدف القضاء عليه كقوةٍ سياسيةٍ، بل لحصر نفوذه العسكري وتفكيك جناحه المسلح، بما يضمن الأمن الإسرائيلي ويسمح بعودة الاستثمارات الخليجية من دون تهديدات عسكرية”.

هل يصعد لبنان إلى قطار التسويات؟

وهنا يشدّد سريوي على أنّ “التسويات الإقليمية انطلقت بالفعل، على الرَّغم من محاولات نتنياهو عرقلتها عبر التصعيد العسكري. لكنّ إدارة ترامب وِفق قراءته تعطي الأولوية للاقتصاد، ولن تسمح بإجهاض فرص الاستثمار والسلام. وعليه، فإنّ على لبنان أن يبادر سريعًا، من خلال وضع خطةٍ واقعيةٍ لحصر السلاح بيد الدولة، وتنفيذ إصلاحاتٍ جديةٍ تجعله شريكًا فاعلًا في المرحلة المقبلة، لا عبئًا مُكلفًا على الحلفاء”.

من جهته، يؤكد المحلّل السياسي يوسف دياب هذا الطرح قائلًا: “إنّ غياب لبنان عن القمّة الخليجية – الأميركية لم يكن مفاجئًا، لأنها في جوهرها كانت قمةً ثنائيةً بين الولايات المتحدة والسعودية، توسّعت لاحقًا لتشمل قادة دول مجلس التعاون الخليجي، مع تركيزٍ واضحٍ على الملفات السياسية والاقتصادية ذات الأولوية لدونالد ترامب، ولا سيما ملف الشراكة الاقتصادية وأمن الخليج والاتفاق المحتمل مع إيران. وعلى الرَّغم من أنّ لبنان لم يكن مدعوًّا رسميًا، إلّا أنّ ملفه لم يكن غائبًا عن النّقاشات، إذ طُرح إلى جانب الملف الفلسطيني، في إطار سعي أميركي وخليجي مشترك لإعادة لبنان إلى الحاضنة العربية وفكّ ارتباطه بمِحور طهران”.

فرصة تاريخية مشروطة بالسيادة والإصلاح

ويشير دياب إلى أن “الرئيس ترامب اعتبر أنّ هناك “فرصةً تاريخيةً” أمام لبنان قد لا تتكرّر، تتمثّل في إعادة بناء الدولة وتأكيد سيادتها من خلال بسط سلطتها على كامل أراضيها، وحصْر السلاح بيد الدولة من دون أي استثناء، سواء كان تابعًا لحزب الله أو لأي تنظيم لبناني أو فلسطيني آخر”.

الدعم الخليجي: رهن القرار 1701 والإصلاحات

ويرى دياب أنّ “هذا الطرح يعكس بوضوح توجهات الدعم الدولي والعربي المشروط، الذي يرتكز إلى نقطتيْن أساسيتيْن: مكافحة الفساد في المؤسّسات اللبنانية، وتطبيق القرار 1701 بما يشمل إنهاء كلّ مظاهر السلاح غير الشرعي”.

كما يؤكّد أنّ “دول الخليج وعلى رأسها السعودية، أبدت استعدادها لتقديم دعمٍ ماليّ قد يصل إلى 15 مليار دولار في حال التزام لبنان بهذه المسارات. ويضيف أن هذا الانفتاح بدأ يتجلّى فعليًا، من خلال قرار الإمارات رفع الحظر عن سفر مواطنيها إلى لبنان، مع ترقّب خطوةٍ مماثلةٍ من السعودية خلال عيد الأضحى، ما يُعَدُّ مقدمةً لعودة السياحة والاستثمارات الخليجية”.

لبنان أمام اختبار: الانفتاح أو العزلة

وفي هذا السّياق، يعتبر دياب أنّ “لبنان أمام فرصةٍ ذهبيةٍ يجب أن يتلقّفها بجديةٍ، عبر تنفيذ الإصلاحات المطلوبة واستعادة الثقة الدولية، محذّرًا من أن البديل عن هذا الخيار هو المزيد من العزلة والانهيار الاقتصادي، أو حتّى مواجهة عسكرية محتملة إذا ما استمرت الدولة في تجاهل تنفيذ القرار 1701، خاصةً أنّ إسرائيل قد تتّجه إلى فرضه بالقوة في حال فشل المسار السياسي”.

في المُحصلة، يقف لبنان اليوم أمام مفترق طرقٍ حاسمٍ، تفرضه معطيات إقليمية ودولية لا ترحم التردّد أو الغموض. لم يعد مسموحًا انتظار نتائج المفاوضات الأميركية – الإيرانية أو المراهنة على الوقت، بل بات مطلوبًا من الدولة اللبنانية اتخاذ خطوات واضحة وجريئة، تعيد الاعتبار إلى مؤسّساتها، وتثبت التزامها بالشرعية الدولية، وتبني على ما تبقّى من ثقة الخارج. فالدعم مشروط، والفرصة محدودة، والبديل عن ذلك قد يكون المزيد من العزلة والانهيار، وربّما الصدامات الأمنية. وحده القرار اللبناني الداخلي، إذا ما توفرت الإرادة، قادر على تحويل “الفرصة التاريخية” إلى واقع مستدام.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us