جواسيس الموساد يفتكون بـ”الحزب” وبيئته

العمالة تنهش جسد “الحزب” الذي اعتاد وصف معارضيه بـ “العملاء”، فمعظم الذين تم اعتقالهم منذ دخول قرار وقف النار حتى الآن، هم مقرّبون جداً من قادة الحزب العسكريين والأمنيين.. ولن يكون اعتقال المنشد محمد صالح آخر المطاف، طالما أنّ الأمور مفتوحة على تطورات مماثلة، ويمكن أن تتحول إلى كرة ثلج متدحرجة
كتب يوسف دياب لـ”هنا لبنان”:
كشفت عميلة اعتقال المنشد الديني الخاص بـ”حزب الله” محمد صالح بتهمة التعامل مع “الموساد الإسرائيلي” وتزويده بمعلومات خطيرة للغاية أسفرت عن اغتيال عشرات القادة والمسؤولين، هشاشة الوضع ليس ضمن بيئة الحزب ومؤيديه فحسب، بل داخل الحلقة الضيقة وصاحبة القرار، وأظهرت أنّ العمالة تنهش جسد الحزب الذي اعتاد وصف معارضيه بـ “العملاء”، واللافت أنّ معظم الذين تم اعتقالهم منذ دخول قرار وقف النار حتى الآن، هم مقرّبون جداً من القادة العسكريين والأمنيين.
يوماً بعد يوم، تتكشف مزيد من المعطيات عن الأدوار الخطيرة التي لعبها المنشد الديني محمد صالح، وهو شقيق شهيد في الحزب ونجل أحد كوادر كتيبة “الرضوان”، من هنا وصفه مصدر قضائي بأنه “أخطر العملاء الذين تمّ القبض عليهم منذ بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان، باعتباره أكثر من زوّد الإسرائيليين بمعلومات وإحداثيات عن تحركات قادة وكوادر الحزب، بسبب قربه المباشر منهم أو من أبنائهم ومطلع على تفاصيل ما يدور داخل الحلقة الضيقة في قيادة الحزب”. وكشف المصدر لـ “هنا لبنان”، أنّ “المعلومات التي قدمها لصالح الإسرائيليين أفضت إلى اغتيال عشرات الكوادر والقادة في الحزب وآخرهم المسؤول عن الملف الفلسطيني في الحزب حسن بدير ونجله علي، اللذان اغتيلا في غارة نفذتها مسيرة إسرائيلية استهدفت منزلهما في حيّ الجاموس في الضاحية الجنوبية في 29 آذار الماضي”. وقال “الأخطر من هذا كلّه أنه كان يزود الإسرائيليين باسم المسؤول الذي يجري تعيينه خلفاً للقائد الذي يتم اغتياله، وغالباً ما كان يلتقط صوراً له مع هؤلاء القادة ويرسلها إلى الإسرائيليين”.
وطالما أنّ المعطيات التي يقدمها صالح مفتوحة على مزيد من المستجدات، فقد ادّعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي، على صالح وكلّ من يظهره التحقيق، بجرائم “التعامل مع العدو الإسرائيلي، ودس الدسائس لديه، وتزويده بمعلومات أسفرت عن قتل مدنيين”. وذلك سنداً إلى مواد تصل عقوبتها إلى الإعدام، وأحاله على قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوّان، طالباً استجوابه وإصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقّه.
لن يكون اعتقال صالح آخر المطاف، طالما أنّ الأمور مفتوحة على تطورات مماثلة، ويمكن أن تتحول إلى كرة ثلج متدحرجة، إلّا أنّ مصدراً أمنياً نفى خبر توقيف ناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي وإحدى الناشطات على تطبيق “تيك توك” الذي تردد خلال الساعات الماضية، مشيراً إلى “وجود معلومات مغلوطة يجري ضخّها، لكن ذلك لا يمنع اكتشاف متورطين جدداً في أي وقت، خصوصاً بعدما بينت التحقيقات أنّ بيئة الحزب مخترقة بشكل واسع”. وأشار المصدر الأمني إلى أنّ “عدد الموقوفين بالتعامل مع إسرائيل منذ مطلع العام الحالي بلغ حتى الآن 21 شخصاً (13 لبنانياً و6 سوريين وفلسطينيان اثنان)، وهؤلاء قيد التوقيف ويخضعون إلى جلسات استجواب أمام قضاة التحقيق في المحكمة العسكرية”، مشيراً إلى أنّ “بعض هؤلاء جنّدهم جهاز الموساد خلال فترة الحرب، أي بعد الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 (عندما فتح “حزب الله” جبهة المساندة لغزّة)، وهم من المقيمين في الجنوب والضاحية الجنوبية، وبعضهم جرى تجنيدهم قبل الحرب، وسبق لهم أن سافروا إلى تركيا وقبرص واليونان، والتقوا بمشغليهم من الإسرائيليين”، لافتاً إلى أنّ “العملاء اللبنانيين إما كانوا عناصر سابقين وإما من أبناء قادة في الحزب، واستفادوا من المعلومات التي يمتلكونها، وهم برروا قبولهم هذه المهمّة بسبب الضائقة المالية وحاجتهم إلى المال”.
وإلى حين مثول هؤلاء أمام المحكمة العسكرية وعقد جلسات علنية لمحاكمتهم، فإنّ إمكانية تراجعهم عن اعترافاتهم تبقى قائمة وهذا ما يحصل مع أغلب العملاء الذين يتراجعون عن اعترافاتهم الأولية، إلّا أنّ مصدراً في المحكمة العسكرية اعتبر أنّ “التراجع عن الاعترافات قد لا يغيّر شيئاً باعتبار أنّ الأدلة ثابتة بحقّهم أو بحق أغلبهم”. وقال لـ “هنا لبنان”: “إنّ إفادات الموقوفين في التحقيقات الأولية وأمام قضاة التحقيق جاءت متطابقة، خصوصاً لجهة تزويد الإسرائيليين بمعلومات عن قادة في “حزب الله” ومنازلهم ومراكز عملهم وتحركاتهم، بالإضافة إلى مخازن أسلحة وصواريخ الحزب في الجنوب”. ولفت المصدر الذي رفض ذكر اسمه إلى أنّ “أغلب عمليات الاغتيال التي كانت تستهدف مسؤولي الحزب خلال تنقلاتهم في السيارات أو عبر دراجات نارية كانت تحصل بناء على المعلومات والإحداثيات التي تلقوها من العملاء، لكن من حقّ أي موقوف أن يدافع عن نفسه بالطريقة التي يراها مناسبة، لكن تبقى قناعة المحكمة هي المعيار في إصدار الأحكام وتحديد العقوبات التي يستحقها هؤلاء”.