لقاءٌ بين ترامب ونصر الله؟


خاص 19 أيار, 2025

 

الذّكاء الإنساني يقول إنّ ما مضى قد مضى، والعرض الأميركي الوحيد الموجود الآن، هو ما تحدثت عنه المندوبة الأميركية مورغان أورتاغوس في الساعات الماضية وهو أنّه على “الحزب” تسليم سلاحه في جنوب الليطاني وشماله. أمّا صورة اللقاء بين ترامب ونصر الله فلندعها إلى العالم الافتراضي.

كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:

من كان يتصوّر قبل 8 كانون الأول الماضي أنّ رئيس الولايات المتحدة الأميركية سيلتقي الرئيس السوري؟ وعندما نتكلّم عن هذا التاريخ، فلكي نشير إلى أنّ سوريا، كانت تحت حكم الأسد الابن امتدادًا لحكم الأب منذ أكثر من نصف قرن. كما كانت الولايات المتحدة لا تزال في عهدة الرئيس جو بايدن.

بالطبع، لم يكن لقاء أي رئيس أميركي بحاكم سوريا حافظ الأسد الذي بقي في السلطة ومن بعده ابنه بشار أمرًا غير متوقع. فقد عاصرت عائلة الأسد إداراتٍ أميركيةً عدّة منذ سبعينيّات القرن الماضي. وكان الرئيس الأميركي يُغادر البيت الأبيض كلّما انقضى على مكوثه فيه 4 أعوام أو 8 أعوام إذا ما فاز بولايةٍ ثانية. امّا حاكم سوريا، فلم يتزحزح من قصره إلّا بسبب الوفاة او انهيار النظام كما حصل مع حكْم بشار في كانون الأوّل الماضي.

لكن، وبعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، أصبح اجتماع أي مسؤول غربي عمومًا وأميركي خصوصًا مع بشار الأسد، كمن يقرّر الاقتراب من مُصابٍ بمرضٍ مُعْدٍ وخطيرٍ كما كانت مثلًا حال مريض كورونا.

فجأة، وفي 14 أيار الجاري، حدث لقاء غيّر الشرق الأوسط عندما التقى الرئيس دونالد ترامب مع الرئيس أحمد الشّرع في الرياض بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

سارع كلّ خصوم سوريا الجديدة، وفي مقدمهم محور إيران في المنطقة عمومًا ولبنان خصوصًا، إلى شنّ حملاتٍ لم تهدأ حتى الآن. واتّهمت وسائل “حزب الله” الشّرع بأنه ذاهب الى “الاستسلام” لإسرائيل لقاء ما ناله من واشنطن من رفع العقوبات عن سوريا. لكنّ أصدقاء سوريا، وهم كثر الآن في العالم، ما زالوا تحت وطأة المفاجأة التي أطلقها الرئيس ترامب، وبخاصةٍ أنّ الأخير لم يأبَه أنْ يصافح من اعتبرته الولايات المتحدة منذ أكثر من عقدٍ “إرهابيًا” انطلاقًا من ماضيه مع تنظيم (داعش) ما أوصله الى السجن الأميركي في العراق.

يوجّه الكثيرون هذه الأيام دعوةً لأخذ العبرة من هذا التطوّر الذي سلك طريقه الى لائحة الأحداث التاريخية. ويتصدّر هذه العبرة أنّ رجل أميركا القوي هو صنو لكل ما يتصل بالبراغماتية التي لا يقف في وجهها أي عائق كي تصل الى مبتغى مَن ينتهجها. ألم يقم ترامب في ولايته الأولى بعد العام 2016 بخطوةٍ مماثلةٍ كان لها صدى دوليّ عندما اجتمع مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون؟

وتؤدّي العبرة المطلوب أخذها اليوم الى استعادة مرحلةٍ طويلةٍ من محاولات أميركية لمدِّ جسورٍ مع شخصيةٍ كانت رمزًا لمواجهة النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط ألا وهو زعيم “حزب الله” السيد حسن نصر الله. وقد تحدّث شخصيًا قبل أعوام عن عروضٍ أميركيةٍ انهالت عليه بعد العام 2000 عندما انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان تطبيقًا للقرار 425. وألمح نصر الله إلى أنّ هذه العروض تميّزت بالسخاء كي يقبل “حزب الله” بإقفال جبهة الجنوب التي فتحها “الحزب” ومن خلفه النظامان السوري والإيراني عبر نافذة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة.

مرّ ربع قرن على زمن العروض الأميركية التي وصلت الى زعيم “الحزب” التاريخي. وخلال هذه الحقبة الطويلة جرت محاولة فتح الباب ولو جزئيًا من أجل مدّ الجسور بين الجانبيْن من خلال الترسيم البحري الذي اعتبره الرئيس الأميركي السابق جو بايدن إنجازًا باهرًا. لكنّ الباب عاد وأوصد بقوةٍ بعدما فتح نصر الله “جبهة الإسناد” في 8 تشرين الأول 2023. ومع هذا التطوّر خرج نصر الله نفسه من الحياة في أيلول الماضي ما غيّر وجهة الاحداث في لبنان والمنطقة معًا.

ماذا لو بقي نصر الله على قيد الحياة وشاهد بنفسه تسجيلًا مصوّرًا للقاء الرياض بين رئيس سوريا الجديد ورئيس الولايات المتحدة؟

يمكن للذّكاء الاصطناعي أن يُجيب على هذا السؤال. لكنّ الجواب لا يلغي حقيقةً ثابتةً أنّ نصر الله لم يعد موجودًا. وفي أي حال، من المفيد الإنصات الى ما يقوله العلم وهو أن الأمين العام السابق لـ”حزب الله” كان، لو بقي حيًّا، سيجد أنّ عرضًا يقدّم إليه اليوم كي يلتقي الرئيس ترامب جدير بالبحث وبخاصةٍ أن مرجعيته الإيرانية تواظب حاليًا على الحوار مع واشنطن حول برنامجها النووي.

يستطيع الذّكاء الاصطناعي أن يصنع صورةً تظهر مصافحةً بين الرئيس ترامب وبين السيد نصر الله انطلاقًا من الصورة نفسِها التي جمعت الرئيسين الأميركي والسوري. لكن الذّكاء الإنساني يقول، إنّ ما مضى قد مضى، والعرض الأميركي الوحيد الموجود الآن، هو ما تحدثت عنه المندوبة الأميركية مورغان أورتاغوس في الساعات الماضية وهو أنّه على “حزب الله” تسليم سلاحه في جنوب الليطاني وشماله. أمّا صورة اللقاء بين ترامب ونصر الله فلندعها إلى العالم الافتراضي.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us