بيروت تنتخب و”المناصفة” تنتصر.. والعين على الجنوب!


خاص 19 أيار, 2025

في أعقاب مشهد بيروت الانتخابي، تتّجه الأنظار إلى الجنوب اللبناني، حيث ينتظر أن تكون المعركة البلدية والاختيارية المقبلة أكثر سخونة، ليس فقط من حيث طبيعتها التنافسية، بل لكونها تمس عمق المعادلات السياسية والتحالفات المتماسكة ظاهرياً، لكنها مهدّدة بتصدّعات داخلية عميقة. ولعلّ السؤال الأهم الذي ستجيب عنه صناديق الجنوب هو: هل يستطيع الشارع الجنوبي أن يعيد رسم خطوط العلاقة بين المواطن والمسؤول؟ أم أن الاستقرار السياسي سيتفوّق مجدداً على المطالب الشعبية؟

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

في مشهدٍ انتخابي حمل في طياته أكثر مما بدا على السطح، شهدت العاصمة اللبنانية بيروت يوم أمس انتخابات بلدية واختيارية اعتبرت على نطاق واسع اختبارًا سياسيًا واجتماعيًا قبيل الاستحقاق الأكبر المرتقب في الجنوب. وعلى الرغم من طابعها المحلي، لم تخلُ صناديق الاقتراع البيروتية من رسائل رمزية ومعانٍ سياسية عميقة.

مشاركة متواضعة… ولكن نوعية
بلغت نسبة الاقتراع في بيروت 20.78%، بحسب أرقام وزارة الداخلية والبلديات بعد إقفال الصناديق. ورغم تواضعها، جاءت هذه النسبة ضمن المتوقع في ظل مناخ من الإحباط الشعبي وانعدام الثقة بالسلطة المحلية والمركزية. لكنها، في المقابل، تعكس نوعاً من الثبات مقارنة بالانتخابات البلدية الأخيرة في عام 2016، حين بلغت المشاركة 20.14%.
في عدد من أحياء العاصمة بيروت، لم تكن الانتخابات البلدية مجرد استحقاق عادي، بل شهدت تغييرات بارزة في موازين القوى السياسية المحلية. إذ حققت لائحة “بيروت بتجمعنا” نتائج متقدمة في عدة دوائر انتخابية، متجاوزة لوائح مدعومة من أحزاب وقوى سياسية تقليدية.

غير أنّ المنتصر الحقيقي في بيروت هي المناصفة إذ أكّد أبناء العاصمة تمسّكهم بهويتها وأنّ ما يجمعهم أكثر بكثير مما يفرّقهم.

انتصار المناصفة وجّه صفعةً لكلّ من راهن على سقوطها، وبالأخصّ للوائح الني شكّلها مدّعو التغيير بهدف دفع المواطنين للتشطيب، غير أنّ الأرقام قالت كلمتها وأدرك نواب البروباغندا حقيقة أحجامهم.

ويرى مراقبون أنّ هذا التقدم جاء نتيجة جهد ميداني مستمر وبرنامج عمل واضح، إضافة إلى خطاب مدني استهدف شريحة واسعة من الناخبين في بيروت. وتظهر النتائج تراجعاً في التأثير التقليدي لبعض القوى السياسية التي كانت تهيمن على المشهد البلدي، لصالح تمثيل يعتمد على الكفاءة والبرامج العملية.

ولائحة “بيروت بتجمعنا” مدعومة من مجموعة من القوى السياسية اللبنانية، منها حزب الله، حركة أمل، القوات اللبنانية، الكتائب، المشاريع، الطاشناق، التيار الوطني الحر، الحزب التقدمي الاشتراكي، والنائب فؤاد مخزومي. هذا الدعم يعكس تحالفاً واسعاً من مختلف الأطياف السياسية.
ويعد هذا التطور مؤشراً إلى تحول محتمل في الخريطة السياسية المحلية في بيروت، ويُنتظر أن تترك الانتخابات القادمة في مناطق أخرى مثل الجنوب أثراً مماثلاً، في ظل استمرار النقاشات حول المناصفة والتوازنات السياسية.

لكن، هل ما جرى في بيروت وزحلة والبقاع يعكس تحوّلاً حقيقياً في المزاج الانتخابي؟ أم أنه مجرد تعبير ظرفي في لحظة ضغط؟
الخبير في الشؤون الانتخابية ربيع الهبر يقول لـ “هنا لبنان”أنّ “الانتخابات البلدية والاختيارية التي شهدتها بيروت وزحلة والبقاع عكست مؤشرات مبكرة على تبدلات في المزاج الشعبي، أبرزها بروز وعي انتخابي جديد لدى فئات كانت سابقًا على هامش التأثير السياسي”.

ويضيف الهبر إنّ “نسبة المشاركة الإجمالية بقيت منخفضة، وهو أمر متوقع في ظل التراجع الديموغرافي الناتج عن الهجرة، والجو العام من الإحباط الشعبي”، لكنه يلفت إلى أنّ “التحول اللافت كان في نوعية المشاركة، لا في حجمها، حيث شهدنا حضوراً نوعياً للشباب والنساء، وإن بشكل محدود”.

ويتابع: “هذه الفئات لم تعد تتحرك فقط وفق قواعد الزعامة التقليدية، بل أصبحت مدفوعة بقناعات مدنية وأهداف تغييرية، وهو ما يعكس بداية تحول في الثقافة الانتخابية، حتى وإن لم تصل بعد إلى مرحلة التأثير الحاسم”.

بيروت: معركة لوائح واصطفافات جديدة
وحول المعركة في العاصمة، يصف الهبر المشهد بأنه “غير تقليدي بكل المعايير، مشيراً إلى أن تعدد اللوائح وتنوعها أفرز مشهدية انتخابية مختلفة عن دورات سابقة، إذ شهدنا صراعاً بين لائحة ذات طابع سلطوي مدعومة من قوى تقليدية، ولوائح مدنية تسعى إلى تمثيل أوسع لعاصمة موحدة”.
ويضيف: “الماكينة الانتخابية لتجمّع البيارتة كانت حاضرة بقوة، وواجهت لوائح لم تكن تعكس فعلياً نبض الشارع البيروتي، منها ما يرتبط بتيارات سياسية لم تخض المعركة بجدية واضحة”.
ويشير الهبر إلى أن “إحدى اللوائح قد تحصد دعماً أكبر من الطائفة السنية بعد إعلان النتائج، بينما تسعى أخرى لكسب تأييد عابر للطوائف، وهو ما سيظهر بشكل أوضح بعد صدور الأرقام النهائية”.

زحلة والبقاع: حراك عائلي وشبابي يتقدم المشهد
وفي قراءة لمشهد زحلة والبقاع، يقول الهبر إنّ “المعركة كانت محتدمة في زحلة بين عدة لوائح متنافسة، وشهدت مشاركة لافتة من العائلات والشباب، مع تحرك واسع من الأحزاب لنقل الناخبين، وهو سلوك تقليدي لكنه تجلى بقوة هذا العام”.
ويلفت إلى أنّ “البقاع الأوسط تحديداً سجّل زخماً شعبياً واضحاً، مع طغيان الطابع العائلي على المشهد، في ظل ضعف المبادرات المستقلة”.
ويشير الهبر إلى أن “ما ميز هذه الدورة هو التحول في أدوات الحملات الانتخابية، التي باتت رقمية بامتياز. استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة، ما منح المعركة طابعاً نفسياً أكثر من ميداني”.
ويضيف: “كما لاحظنا تراجعاً ملموساً في الرشوة الانتخابية مقارنة بدورات سابقة، وهو مؤشر إيجابي يعكس ارتفاعاً في منسوب الرقابة المجتمعية، أو تراجع الإمكانيات لدى الجهات السياسية”.

الصورة النهائية تنتظر نتائج الفرز
ويختم الهبر قائلاً: “كل هذه التحولات في نوعية المشاركة، شكل الحملات، وانحسار الرشوة، تحتاج إلى نتائج واضحة كي نفهم مدى تأثيرها الفعلي. بعد إعلان النتائج الرسمية، سيكون بمقدورنا رسم صورة دقيقة للمسار الانتخابي الجديد في لبنان”.

في أعقاب مشهد بيروت الانتخابي، تتّجه الأنظار إلى الجنوب اللبناني، حيث ينتظر أن تكون المعركة البلدية والاختيارية المقبلة أكثر سخونة، ليس فقط من حيث طبيعتها التنافسية، بل لكونها تمس عمق المعادلات السياسية والتحالفات المتماسكة ظاهرياً، لكنها مهدّدة بتصدّعات داخلية عميقة.
المحلل السياسي علي الأمين يقول: “الجنوب، الذي طالما شكّل ساحة شبه محسومة لتحالفات القوى التقليدية، وعلى رأسها “الثنائي الشيعي”، يواجه هذا العام معطيات جديدة قد تقلب قواعد اللعبة – أو في أقل تقدير، تهزّ ثقة الأحزاب بمطلق هيمنتها. فالأزمة المعيشية غير المسبوقة، والانهيار الاقتصادي والمالي، وتردّي الخدمات الأساسية في المناطق الجنوبية، والحرب الأخيرة ساهمت في ولادة غضب شعبي مكبوت، بدأ يتسرّب تدريجياً إلى صناديق الاقتراع.
ويضيف الأمين: من المنتظر أن تشهد مدن كصيدا وصور والنبطية ومحيطها، تحركاً انتخابياً من نوع مختلف، قد يتمثّل في تشكيل لوائح مدنية أو “تحالفات مضادة” تعبر عن نقمة شعبية صامتة، خصوصاً في ظل ضعف ملحوظ لدى بعض القوى السياسية السنية والمسيحية التي اعتادت أن تلعب دور “الموازن” داخل بعض المجالس البلدية المختلطة.
لكن رغم هذا الواقع الضاغط، لا يزال الثنائي الشيعي يحتفظ بأدوات تعبئة شعبية وتنظيمية فعالة. فمن ناحية، يمتلك القدرة على استنهاض قاعدته من خلال خطاب “الحفاظ على المقاومة والخدمات”، ومن ناحية أخرى، يسعى إلى تبريد التوترات الداخلية التي ظهرت خلال الانتخابات النقابية والاختيارية في بعض القرى.
ويضيف الأمين: ما يزيد من تعقيد المشهد، أن هذا الاستحقاق قد يتحوّل إلى “بروفة داخلية” لحسم زعامات مناطقية ومحلية ضمن البيت الواحد، لا سيما بين فئات شابة بدأت تطالب بدور أكبر في الإدارة البلدية، مقابل بقاء نخب قديمة تعتبر نفسها المرجعية الثابتة.

ويردف: “كما يُحتمل أن يشهد الجنوب مشاركة شبابية أعلى من الدورات السابقة، مدفوعة بالإحباط من الأداء البلدي الحالي، لكن من دون أن تترجم بالضرورة إلى انقلاب في النتائج، نظراً لطبيعة الشبكات الزبائنية العميقة التي لا تزال قائمة وتستخدم كأداة ضغط أو إغراء”.

ويختم الأمين: الجنوب لا يذهب إلى انتخابات عادية، بل إلى استحقاق مزدوج: اختبار لمدى تماسك القوى المسيطرة داخلياً، وامتحان لمستوى وعي جمهورها وقدرته على الخروج من “التصويت المضمون”.
ولعلّ السؤال الأهم الذي ستجيب عنه صناديق الجنوب هو:هل يستطيع الشارع الجنوبي أن يعيد رسم خطوط العلاقة بين المواطن والمسؤول؟ أم أن الاستقرار السياسي سيتفوّق مجدداً على المطالب الشعبية؟
ما ستكشفه هذه المعركة لن يبقى محصوراً في البلديات، بل ستكون له تداعيات أوسع على الاستحقاقات المقبلة، من الانتخابات النيابية إلى مشهد القيادة المحلية الذي يبدو أنه على وشك أن يُعاد تشكيله.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us