“الحزب” بين المعاندة والعمالة


خاص 20 أيار, 2025

يسعى “الحزب” للحفاظ على وجوده عبر مقايضة السلاح بإعادة الإعمار محمّلًا المسؤولية للدولة وكأنّها هي من قرّرت خوض الحرب، وقاتلت وضحّت بآلاف اللبنانيين، وتحديدًا الشيعة منهم. وهو يلعب هذه الورقة طمعًا بكسب الوقت توصّلًا إلى الانتخابات النيابية في أيار 2026 أي بعد سنة، أملًا بإقناع الجنوبيين بأنّه المدافع عنهم والحامي لهم والمهتم بحياتهم اليومية، وبالتالي ضمان تصويتهم له.

كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:

يبدو أن “حزب الله” بدأ الخلط بيْن المقاومة التي يصرّ على ادّعائها وممارستها، والعمالة التي اخترقت صفوفه ليس بمجندٍ أو اثنيْن وإنّما بالعشرات. ومع ذلك يصرّ على اقتناء السلاح ويهدّد بقطع يد من يحاول أن ينتزعه منه كما حذر أمينه العام نعيم قاسم، وقبله وفيق صفا الذي كان هدّد قبل سنتين بتطيير المحقّق العدلي طارق البيطار المكلّف بالتحقيق في ملف جريمة تفجير مرفأ بيروت (قبل نحو خمس سنوات في 4 آب 2020). لكنّ المفارقة هي أنّه عندما حصلت الجريمة وانطلق التحقيق كانت السلطة في يد بعض المشتبه بهم فيها، والبعض الآخر كان يعمل على تغطيته. والطرفان هما اللذان كانا يمسكان بالسلطة منذ أكثر من عشر سنوات ويتعاونان ويسهّلان أمورهما انطلاقًا من مبدأ “السلاح مقابل الفساد” إلى أن وصل لبنان إلى ما وصل اليه في “حرب الإسناد” التي أغرق “حزب الله” البلد فيها، والتي دمّرت الجنوب وبعلبك والضاحية الجنوبية في بيروت، ودمّرت بالأخصّ “حزب الله” نفسه وناسه وشرّدتهم فيما كانت حكومة نجيب ميقاتي تغطّي وتحاول إدارة الأزمة.

أما ما جرى ويجري حول لبنان، فقد تكفّلت به إسرائيل أيضًا، إذ اغتالت حسن نصر الله وأنهت قيادة “حزب الله”، وتبع ذلك سقوط النظام الأسدي في سوريا، وتسلّم السلطة خصومه السابقون، وهم أيضًا من خصوم “حزب الله”، من الإسلاميين و”هيئة تحرير الشام”، التي التقى زعيمها الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، مع رئيس “الشيطان الأكبر” الأميركي دونالد ترامب، ووافق على التطبيع مع إسرائيل. كما وافق الحوثيون، حلفاء إيران، على وقف إطلاق النار، بعد أن دمّرت الولايات المتحدة، عبر قصفها الوحشي والواسع، معظم البنية التحتية في اليمن.

في المقابل أنهى ترامب بعقلية رجل الأعمال زيارةً تاريخيةً للدول العربية الخليجية، السعودية وقطر والإمارات، أفضت إلى اتفاقاتٍ غير مسبوقةٍ تطال مجالات اقتصادية وتجارية وعِلمية عديدة بلغت قيمتها آلاف مليارات الدولارات، وبالأخصّ إلى صياغة علاقات استثنائية مع هذه الدول ورؤسائها الذين صنفهم ترامب نفسه بـ”الرائعين”! ولم يَسَعْ الرئيس الأميركي إلّا أن يبادلهم برفع العقوبات عن سوريا والاعتراف فورًا بالحكم الجديد واستقبال الشّرع في السعودية بحضور ولي العهد محمد بن سلمان الذي كان مهندس ترتيب العلاقة وإخراج سوريا من معسكر الممانعة التابع لإيران وإعادتها إلى المجتمع الدولي.

وقد أدّت هذه اللوحة من التغيّرات والعلاقات والتموضعات الجيوسياسية إلى محاصرة إيران “الملالي” التي عليها الآن أن تحسم أمرها تجاه الاقتراح الذي قدمه ترامب لكي تُبعد عنها كأس الحرب عبر وقف تخصيب النووي على أراضيها ووقف صناعة الصواريخ الباليستية…

وفي لبنان، أدّت هذه التطورات إلى قيام سلطةٍ جديدةٍ من رئيس جمهورية ورئيس حكومة من خارج الطقم السياسي الفاسد والمتورّط مع “حزب الله” والذي باشر بإصلاحٍ سياسي بدأه بقرار “حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية”. وقد باشر الجيش اللبناني بمصادرة هذا السلاح بدءًا بجنوب الليطاني عبر فكفكة المخازن والأنفاق التي تؤكد أنّ “حزب الله” قد بنى دويْلته ضمن الدولة التي كان يسيطر في كل الاحوال على قرارها، وحوّل الجنوب عمليًا إلى محميةٍ له. وانتهى اليوم مطوّقًا ومحاصَرًا بما تبقّى له من سلاح وحجم ودور، إذ إن الحصار ليس داخليًا فحسب، بل هو إقليمي أيضًا، ويأتي من جميع الجهات. وحتى الشريان الاستراتيجي الذي كان يربطه بطهران عبر بغداد ودمشق قد انقطع بسقوط بشار الأسد وفراره، وأصبح الجنوب في قبضة إسرائيل، والشمال تحت سيطرة تركيا، فيما يخضع الحكم الجديد لرعاية أميركية.

فعن أي مقاومة يتحدّث ويكابر “حزب الله”؟ إنّه يسعى للحفاظ على وجوده عبر مقايضة السلاح بإعادة الإعمار محمّلًا المسؤولية للدولة وكأنّها هي من قرّرت خوض الحرب، وقاتلت وضحّت بآلاف اللبنانيين، وتحديدًا الشيعة منهم. وهو يلعب هذه الورقة طمعًا بكسب الوقت توصلًا إلى الانتخابات النيابية في أيار 2026 أي بعد سنة، أملًا بإقناع الجنوبيين بأنّه المدافع عنهم والحامي لهم والمهتم بحياتهم اليومية، وبالتالي ضمان تصويتهم له، متناسيًا أن أحدًا لا يرغب في دفع فلسٍ واحدٍ للإعمار أو غيره ما لم يُسلِّم “حزب الله” سلاحه. وها هي إسرائيل نتنياهو تواصل تصفية قيادات وكوادر الحزب، من دون أن يصدر عن أي دولة أو جهة صوتٌ يطالب أو يدافع عن حزبٍ بات المواطن الجنوبي يخشى على حياته إن اقترب منه أحد من مناصريه!.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us