الأرض بتحكي… والزراعة رجعت تحرّك الاقتصاد

استعاد الحقل دورَه كمحرّكٍ للدورة الاقتصادية. ولم تعد الأرض تُرى كعبءٍ، بل كفرصةٍ. ولم يعد الرّيف يُعامل كمكانٍ متروكٍ، بل كجبهةٍ أماميةٍ للنهوض. هذه العودة إلى الجذور ليست رجوعًا إلى الوراء، بل تقدّمٌ نحو مستقبلٍ مختلفٍ، يُبنى على الإنتاج لا الاستهلاك، وعلى الانتماء لا الارتهان.
كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:
في بلدٍ فقدَ توازنه الاقتصادي، وضاعت فيه البوصلة الإنتاجية لسنوات، تنهض الزراعة اليوم كأحد أكثر الخيارات واقعيةً وقدرةً على إعادة بناء ما تهدّم. هذه العودة ليست من باب الحنين إلى الماضي، بل من عمق الحاجة الوطنية لإرساء اقتصادٍ منتجٍ يُخرج لبنان من أزماته المتلاحقة. وفي ظلّ هذا التحوّل، يبرز الدور المحوري للرئيس جوزاف عون، الذي أعاد للزراعة مكانتها كقطاعٍ سياديّ، لا كمجرّد موردٍ ثانويّ.
لبنان ليس بلدًا فقيرًا بالموارد، بل هو بلد فقير بإدارة هذه الموارد. لطالما امتلك بيئةً طبيعيةً متنوّعةً، وتربةً خصبةً، وأيادٍ خبيرة، لكن غياب الرؤية واهتمام الدولة جعل الزراعة تُختزل في الجهد الفردي، وتُترك لمواجهة تحدّيات السوق وحدها. واليوم، في عهدٍ جديدٍ يحمل نَفَسًا إصلاحيًا، تُطلّ الزراعة كخيارٍ استراتيجيّ لإعادة تحريك عجلة الاقتصاد.
الرئيس جوزاف عون، ومنذ تولّيه المسؤولية، تعامل مع هذا القطاع كأولويةٍ وطنيةٍ، وليس كبندٍ على الهامش. مقاربته لم تكن دعائيةً، بل عملية، تبدأ من الاعتراف بأنّ الزراعة هي ركيزةٌ للاستقرار الاجتماعي، ومساحةٌ للإنتاج الحقيقي، ومنطلقٌ لحماية الأمن الغذائي. من هنا، انطلقت سياساتٌ ومبادراتٌ تهدف إلى تمكين المزارعين، وتحديث آليات العمل الزراعي، وخلق بيئةٍ داعمةٍ للنموّ في الأرياف.
التحوّل كان واضحًا في كيفية تعامُل الدولة مع المزارع، إذْ تحوّل من مجرّد منتجٍ مهمَلٍ إلى شريكٍ في التنمية. الدعم لم يعد محصورًا بالمساعدات الموْسمية، بل أصبح يتّخذ طابعًا هيكليًا، من خلال تسهيلاتٍ ماليةٍ، وبرامج تدريبٍ، وتفعيل التعاونيّات، وربط الزراعة بالتصنيع الغذائي. كما شهدت الأسواق الخارجية انفتاحًا أكبر على المُنتجات اللبنانية، نتيجة جهودٍ دبلوماسيةٍ ومؤسّسيةٍ هدفت إلى إعادة بناء الثقة بجودة الإنتاج المحلي.
لكنّ طريق النهوض بالزراعة ليس مفروشًا بالورود. هذا القطاع لا يزال يواجه تحدّياتٍ كبيرةً، تبدأ من تغيّر المناخ، وتمرّ بشحّ الموارد، ولا تنتهي عند ضعف البنى التحتية في القرى. ومع ذلك، فإنّ الإرادة السياسية التي ظهرت بوضوحٍ في خطاب الدولة تجاه الزراعة، باتت تشكّل عنصر قوةٍ ودافعًا لتجاوز هذه العقبات.
الزراعة في هذه المرحلة لم تعد مجرّد موردٍ اقتصاديّ، بل أصبحت مشروعًا سياسيًا – اجتماعيًا متكاملًا. هي وسيلةٌ لإعادة الاعتبار للريف، وخلق فرص عملٍ تحفظ كرامة الناس في قراهم، وبناء اقتصادٍ متوازنٍ لا يعتمد على الرّيع ولا على الخارج. إنّها وسيلةٌ لحماية السيادة الغذائية، وتمكين العائلات من الاعتماد على إنتاجها بدل انتظار المساعدات.
في عهد الرئيس جوزاف عون، استعاد الحقل دورَه كمحرّكٍ للدورة الاقتصادية. لم تعد الأرض تُرى كعبءٍ، بل كفرصةٍ. ولم يعد الرّيف يُعامل كمكانٍ متروكٍ، بل كجبهةٍ أماميةٍ للنهوض. هذه العودة إلى الجذور ليست رجوعًا إلى الوراء، بل تقدّمٌ نحو مستقبلٍ مختلفٍ، يُبنى على الإنتاج لا الاستهلاك، وعلى الانتماء لا الارتهان.
في النهاية، من يُصْغِ إلى صوت الأرض، يُدرك أنّ الإنقاذ لا يأتي من الخارج، بل من الحقل. والزراعة اليوم ليست فقط ملاذًا، بل بدايةٌ جديدةٌ، تُكتب من بين السنابل، وتنمو على وقع أقدام الفلّاحين الذين صمدوا حين انهار كل شيء. فكما يقول التراب لمن يزرعه: “أنا لا أخون”… كذلك لبنان، حين يعود إلى أرضه، يبدأ بالشفاء.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() رصاصةٌ بلا اسم… وضحيةٌ بلا ذنب! | ![]() أقلامٌ انتصرت على الرصاص | ![]() الجيوش الرّقمية… سلاح بلا رصاص! |