“التغييريون”… هزيمة مدوّية في “البلدية” والاستحقاق النيابي أعظم

غياب الرئيس سعد الحريري عن المشهد الانتخابي ربّما كان بدّل المشهد أو نتائج الانتخابات في بيروت، إلّا أنّ أهل بيروت لا يجدون أنفسهم غالبًا معنيّين بالانتخابات البلدية، وفوز تحالف الأحزاب ضمن لائحة “بيروت تجمعنا” مستغرب، فيما لا شيء يجمعها سوى المصلحة الانتخابية.
كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:
كشفت نتائج الانتخابات البلدية في بيروت فشل ما يسمّى “قوى التغيير” في خياراتها وقدرتها على التغيير، فكرّست تلك النتائج بداية مرحلةٍ جديدةٍ نسَفت المرحلة السابقة التي علّق عليها “البيارتة” الآمال ولم يحصدوا منها إلا الإحباط. وما خسارة “بيروت مدينتي” في انتخابات بيروت 2025 إلّا رسالة قاسية أراد أبناء العاصمة توجيهها الى “نواب التغيير” والمجتمع المدني، بعدما استبشروا بهم خيرًا وأوصلوهم الى الندوة البرلمانية في العام 2022، فجاء أداؤهم مخيّبًا للآمال.
أخطأ “التغييريون” حين ظنّوا أنّ “الحماوة” التي حظوا بها في انتخابات 2016 وتحقيق لائحة “بيروت مدينتي” حينها أرقامًا نوعيةً، ستعيد نفسها في العام 2025، لكنّ النتيجة جاءت معاكسةً، فاعترفت النائب بولا يعقوبيان، التي دعمت اللائحة مع زميلها إبراهيم منيمنة وعددٍ آخر من التغييريين، صراحة عبر برنامج “عشرين 30” (الاثنين الماضي) بالخسارة قائلةً: “كان لدينا إخفاقات كثيرة تنظيميًا والشعب لا يزال يتّجه نحو التصويت العاطفي”. وأضافت: “لائحة “بيروت مدينتي” التي دعمتُها خلال الانتخابات البلدية في بيروت، مُنيت بالهزيمة، نحن نقرّ بهذا الأمر والحملات تركت أثرًا عند الناس”.
في المقابل، حقّقت “لائحة بيروت بتجمعنا” التي يرأسها المهندس ابراهيم زيدان، المناصفة في الانتخابات البلدية الى حدّ كبير، فحصلت على 23 مرشحًا، فهي وعلى الرَّغم من جمعها التناقضات والمتخاصمين في لائحةٍ واحدةٍ (“حزب الله” وحركة “أمل” و”القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحرّ” و”الأحباش” والنائب فؤاد مخزومي) أثبتت أنّ بيروت هي ساحةٌ للتعايش الوطني ترفض تقسيمها فرسمت خريطة طريق كانت واضحةً لتحقيق الفوز وضمان تلك المناصفة (اللائحة خرقها العميد محمود الجمل رئيس لائحة “بيروت بتحبّك”) فيما هُزمت لائحة “بيروت مدينتي” التي يرأسها فادي درويش ويدعمها نواب التغيير في بيروت (من دون وضّاح الصادق) هزيمةً مدوّية.
لقد كشف التراجع الكبير في نسبة أصوات ناخبي لائحة “ائتلاف بيروت مدينتي 2025″ و”بيروت مدينتي 2016″ خيبة الناخبين من أداء نواب التغيير ومن خلافاتهم وعدم اتفاقهم حتّى على برنامجٍ واضحٍ يتوحّدون حوله ليوحّد الناس من حولهم. وإذا كانت رسالة الاستحقاق البلدي قاسيةً لهذه الدرجة، فإنّ ما ينتظرهم في الاستحقاق النيابي أعظم، خصوصًا أنه بات قاب قوسين، ومن الصعب على هذه القوى أن تُصلح ما أفسده أداؤها في السابق”.
يقول أحد كبار السنّ من “البيارتة” الذين عايشوا الفترات الانتخابية على مرّ العقود: “أنا بيروتي عتيق، صوّتت للتقليديين لأنّنا جرّبنا التغييرين وخاب ظنّنا بهم وبشعاراتهم، أتمنّى أن يفهوا الرسالة التي وجّهها لهم أهل بيروت بعد الثقة التي منحوهم إياها في المجلس النيابي كي لا تكون الانتخابات النيابية المقبلة متمّمة لنكستهم”. لا يُخفي “بيروتي” آخر “عدم تصويته للائحة “بيروت مدينتي” بسبب مواقف نوابها ولا سيما بولا يعقوبيان وإبراهيم منيمنة وغيرهما المتعلّقة بالمثليين والزواج المدني”، وقال: “أجزم صراحةً أنّ دعم اللائحة من قبل هؤلاء كانت السبب لفشل مرشحيها أجمعين”.
في المقابل، دعا مصدرٌ مقرّبٌ من نواب التغيير في اتصال بـ “هنا لبنان” إلى “إعادة تقييم الأوضاع ونتائج الانتخابات البلدية وتنظيم الصفوف للتخلّص من نقاط الضعف واستعادة ثقة الناس من جديد استعدادًا للانتخابات النيابية المقبلة، مشيرًا الى أنّه من الصعب مقارنة انتخابات العام 2016 بانتخابات اليوم، فقد تغّيرت الظروف بشكل جذري في تسع سنوات بدءًا من الاحتجاجات الشعبية التي حصلت في العام 2019 وثورة 17 تشرين وصولًا الى العدوان الإسرائيلي الأخير، كنّا نظن أنّ تلك العوامل ستشكّل حافزًا لحثّ الناس على الاقتراع بكثافةٍ في الاستحقاق الانتخابي البلدي لكنّ الإقبال جاء مخيّبًا “.
لا يُخفي المصدر عينه أنّ “غياب الرئيس سعد الحريري عن المشهد الانتخابي اليوم ربّما كان بدّل المشهد أو نتائج الانتخابات”، إلّا أنه قلّل من إمكانية التغيير بشكل جذريّ لأنّ أهل بيروت لا يجدون أنفسهم غالبًا معنيين بالانتخابات البلدية، مستغربًا فوز تحالف الأحزاب ضمن لائحة “بيروت تجمعنا” فيما لا شيء يجمعها سوى المصلحة الانتخابية”. يعترف المصدر بالخسارة ويقول: “خسرنا نعم، لكننا بحاجةٍ لمراجعةٍ عامةٍ ليس لأداء “قوى التغيير” في العملية الانتخابية فحسب، بل أيضًا لأدائنا على المستوى العام”.
بمعزلٍ عن النّتائج لا بد من التوقّف عند أمور عدّة تحقّقت في انتخابات بيروت البلدية، فقد انتصرت بيروت للمناصفة وسجّلت أنّها مدينة ديموقراطية مُخلصة للعيش المشترك ولاحترام مبدأيْ التوازن والميثاقية، كما يسجّل للعاصمة وأهلها مرور اليوم الانتخابي من دون أيّ إشكال وغياب مشهد “الرصاص الطائش” الذي أراق دماء الأبرياء في انتخابات الشمال. أمّا كيف سيكون المشهد الانتخابي في الجولة الرابعة في الجنوب، وعلى الرَّغم من أن الانتخابات ستشكل تحديًا بحدّ ذاته في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة، يبدو أن الأجواء بغالبيتها ستكون توافقية فيما أمّ المعارك ستكون في منطقتيْ جزين وصيدا.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() استولى على أكثر من مليوني يورو من شركة مراكب فاخرة | ![]() “الرصاص الطائش”… عادات موروثة تتحدّى هيبة الدولة! | ![]() شتم “السيد”… فاعتقلوه وضربوه! |