أورتاغوس تُوجِّه الإنذار الأخير في مسألة السلاح… وتؤكد: لبنان لا يحتاج لصندوق النقد


خاص 22 أيار, 2025

 

ماذا يعني عمليًا أن ينفد صبر الولايات المتحدة، وماذا يمكن أن ينتظر لبنان في هذه الحال؟ في الدرجة الأولى، يعني ذلك أنّ إسرائيل ستبقى مُطلقة اليديْن في لبنان كما تفعل اليوم. ولكن، من الجانب الأميركي، سيتمّ تشديد العقوبات على قيادات “الحزب” وشركاته وشبكاته المالية، إضافةً إلى الكِيانات والأفراد الذين يُعتبرون حلفاء أو مموّلين له داخل لبنان وخارجه.

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
قبل أيامٍ من زيارتها إلى بيروت، أطلقت مورغان أورتاغوس موقفًا يحمل العديد من الإشارات. فهي إذ أبدت تفهّمًا لما يفعله الرئيس جوزاف عون وحكومة نوّاف سلام، سألت بإلحاحٍ: متى تلتزمون بوعودكم وتحصرون السّلاح في يد الدولة؟
قبل أي طرف آخر، تُدرك واشنطن أنّ عون يحرص فعلًا على الوفاء بالتزاماته في خطاب القسَم، لكنّه ينتظر توافر الظروف المحلية والإقليمية لإطلاق الحوار حول السلاح، تجنّبًا لأي مواجهة داخلية. وفي الدرجة الأولى، ترى أنّ من حقّ عون انتظار نتائج المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن نفوذ طهران الإقليمي والملف النووي، لأنّ لسلاح “الحزب” وظيفة إقليمية. كما أنّ عون والحكومة يطالبان واشنطن بإقناع إسرائيل بأن تبادر إلى وقف ضرباتها والانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية، لتكون في يده ورقة ضغطٍ تسمح بفتح الحوار حول السلاح.
ولكن، في الحقيقة، وقبل انطلاق الحوار الثنائي المُنتظر بين الرّئيس و”الحزب”، تتردّد معلوماتٌ عن حواراتٍ تمهيديةٍ وغير مباشرةٍ، تجرى عبر أقنيةٍ مختلفةٍ، للوقوف على مدى استعداد “الحزب” للدخول في اتفاقٍ حول السلاح. ويُقال إنّ عون طرح على “الحزب” أفكارًا في شأن ترسانة أسلحته، ويضطّلع الرئيس نبيه بري بدورٍ محوريّ في تبادل الرسائل. كما تتحرّك أطراف إقليمية ودولية عدّة للوساطة في هذا الملف. ولكن، في خضمّ ذلك، يرفع الأميركيون مستوى ضغوطهم على لبنان لدفعه إلى تحقيق خطواتٍ ملموسةٍ، بل إنّ بعض المواكبين للملف باتوا على اقتناع بأنّ لبنان سيفاجَأ قريبًا بنفاد صبر واشنطن، إذا استمرّ في نهج التريّث والتأجيل.
حتى اليوم، مورغان أورتاغوس تجنّبت “حشر” الجانب اللبناني الرسمي بروزنامةٍ معيّنةٍ لنزع السلاح، فهي في زياراتها الأخيرة ذكّرته بالتزاماته، ودعته إلى “اتخاذ قرارٍ” في هذا الملف.
حتّى إنّها، خلال “منتدى قطر الاقتصادي”، اعتبرت أنّ صندوق النقد الدولي ليس ضرورةً لحلّ الأزمة اللبنانية. كما كشفت عن وجود خطةٍ كبيرةٍ ورؤيةٍ قد تُمكّن لبنان من الاستغناء عن صندوق النقد في حال استقطاب الاستثمارات، وتجنيب البلد المزيد من الديون. وقالت: “نعم، أعتقد أنهم أحرزوا تقدمًا كبيرًا خلال الأشهر الماضية، إذ أقرّوا قانون السرية المصرفية، وأقرّوا إصلاحًا قضائيًا، والآن عليهم معالجة قانون ضبط الفجوة المالية (gap law) وقانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي (bank resolution). وأدعو البرلمان على أن يتعامل مع هذا الأمر بجدّية وبحزم”.
لكنها، في المقابل، حذّرت من أنّ “الاقتصاد القائم على السيولة النقدية في لبنان بعد الانهيار المصرفي أصبح بيئةً مثاليةً لـ”حزب الله” وغيره من التنظيمات الإرهابية، كما أنه يسهّل تبييض الأموال ويوسّع الفساد. لذلك، لا يمكن الاستمرار في الاقتصاد النقدي كما هو اليوم، ويجب استعادة الثقة في القطاع المصرفي، وهذا لا يمكن أن يحدث من دون تنفيذ الإصلاحات، إذا أردنا وضع حدّ للفساد المستشري، وإنهاء هيمنة “الحزب”.
هذا في الاقتصاد، وأمّا في السياسة، وإمعانًا في الضغط، فلطالما أعلنت أورتاغوس أنّها تترك المبادرة في يد إسرائيل لتفسير بنود اتفاق وقف النار، كما اشترطت نزع السلاح وإقرار الإصلاحات الاقتصاديّة لعودة المساعدات الخارجية إلى لبنان.
وفي الواقع، يُدرك الأميركيون تعقيدات الوضع الداخلي اللبناني ويعرفون أنّ نزع السلاح بالقوّة قد يؤدّي إلى صراعٍ داخلي. لكن ما لا يستطيعون تفهّمه هو المُماطلة اللبنانية إلى ما لا نهاية. وربّما يكون السقف الذي حددوه لـ”صبرهم” هو انتهاء مفاوضاتهم مع إيران. ولكن، حتّى ذلك الوقت، على لبنان أن يقدّمَ دلائل ملموسة على جدّية التزاماته.
فماذا يعني عمليًا أن ينفد صبر الولايات المتحدة، وماذا يمكن أن ينتظر لبنان في هذه الحال؟
في الدرجة الأولى، يعني ذلك أنّ إسرائيل ستبقى مُطلقة اليدين في لبنان كما تفعل اليوم. ولكن، من الجانب الأميركي، سيتمّ تشديد العقوبات على قيادات “الحزب” وشركاته وشبكاته المالية، إضافة إلى الكيانات والأفراد الذين يُعتبرون حلفاء أو مموّلين له داخل لبنان وخارجه. وكذلك، ستستهدف العقوبات، في شكلٍ غير مباشرٍ، شخصياتٍ سياسيةً أو مؤسّساتٍ يُنظر إليها على أنّها تسهّل أو تتواطأ مع استمرار سيطرة “الحزب” على قرار الدولة. وطبعًا هذا سيؤدّي إلى تعقيد وصول لبنان إلى التمويل الدولي والمساعدات.
وعلى الرَّغم من أنّ الأميركيين يعتبرون الجيش اللبناني شريكًا مهمًّا، فإنّ صبرهم قد ينفد في تبرير استمرار الدعم بهذا الحجم إذا لم يروا خطواتٍ ملموسةً لتعزيز سيادة الدولة على قرار الحرب والسلم. فتتقلّص أنواع معيّنة من المساعدات أو تتأخّر. وطبعًا، سيصبح دعم المؤتمرات الدولية والبرامج الاقتصادية أكثر تشدّدًا. وقد يصبح الخطاب الأميركي أكثر صراحةً في تحميل الحكومة اللبنانية مسؤوليّة عدم تطبيق القرار 1701، وعدم بسط سيادتها على كامل الأراضي، واستمرار وجود السلاح غير الشرعي.
وسيعني نفاد الصبر الأميركي زيادة الضغط على لبنان عبر الأدوات المالية والدبلوماسية، وربّما الأمنية غير المباشرة، لدفعه إلى اتخاذ خطواتٍ حقيقيةٍ في ملف السلاح. وهذا ما سينذر بدخول لبنان وضعًا أكثر صعوبةً، اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا. فهل يتحمّل لبنان ذلك؟ وما الخيارات المتاحة أمامه لتجنّب المأزق؟.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us