جرائم السرقة في لبنان… مشهد يومي مألوف!

تمّ تسجيل أكثر من 6800 عملية سرقة خلال عام 2023، بمعدّلٍ يقارب 18 سرقة يوميًّا، وتشير الأرقام إلى أنّ بيروت، جبل لبنان، والبقاع تصدّرت المناطق التي شهدت أكبر عددٍ من الجرائم. وباتت السرقات الصغيرة، كسرقة الدراجات النارية والهواتف المحمولة، شبه يومية، وتترافق مع جرائم أكبر تطال المتاجر والمنازل والسيارات.
كتبت هانية رمضان لـ”هنا لبنان”:
في لبنان، البلد الذي يرزح تحت وطأة أزماتٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ لا تنتهي، لم تعد السرقة مجرّد جريمة فردية، بل تحوّلت إلى ظاهرة تتفاقم مع مرور السنين.
فمع ارتفاع نسب البطالة والفقر، وانهيار الثقة بالمؤسسات الرسمية، باتت شوارع المدن والبلدات اللبنانية مسرحًا مفتوحًا للسرقات بمختلف أشكالها.
بحسب أحدث الإحصاءات الصادرة عن قوى الأمن الداخلي اللبناني، فقد تمّ تسجيل أكثر من 6800 عملية سرقة خلال عام 2023، بمعدّلٍ يقارب 18 سرقة يوميًا. وتشمل هذه السرقات مختلف أنواع الجرائم من سرقة سيارات ودراجات نارية إلى سرقة منازل ومتاجر. وتشير الأرقام إلى أن بيروت، جبل لبنان، والبقاع تصدّرت المناطق التي شهدت أكبر عددٍ من الجرائم، فيما تصاعدت وتيرة السرقات المنظمة في الضاحية الجنوبية وطرابلس.
هذه الأرقام توحي بالسيطرة الأمنية على الوضع ولو بشكلٍ ضئيلٍ، لكنّ المواطن اللبناني لا يشارك هذا الشعور. فالسرقات الصغيرة، كسرقة الدراجات النارية والهواتف المحمولة، باتت شبه يومية، وتترافق مع جرائم أكبر تطال المتاجر والمنازل والسيارات.
في منطقة رأس النبع في بيروت، ارتفعت وتيرة السرقات بشكلٍ لافتٍ خلال الأشهر الماضية، خاصةً حوادث سرقة الدراجات النارية. هذا التصاعد دفع أبناء الحي إلى التفكير بحلولٍ بديلةٍ في ظلّ غياب دورٍ فاعلٍ للأجهزة الأمنية.
من هنا اقترح أهالي المنطقة القيام بمبادرات محلية تتمثّل في تنظيم دوريات ليليّة تطوّعية من شباب المنطقة، بالتوازي مع مساعٍ لتأمين فرص عمل تؤمن الحدّ الأدنى من الاستقرار وتمنع الانجرار إلى عالم الجريمة.
تأتي هذه المبادرة على غرار ما قامت به منطقة الأشرفية في بيروت، حيث أطلق سكان المنطقة مبادراتٍ مجتمعيةً تهدف إلى تعزيز الأمان والوقاية من الجرائم من خلال جمعية “أشرفية 2020″ في 7 تشرين الثاني 2022 التي وظّفت 120 شابًا محليًا يعملون كـ”حراسٍ” للسكان من الساعة 6 مساءً حتى 6 صباحًا، بالتنسيق الكامل مع الأجهزة الأمنية مثل الجيش اللبناني، قوى الأمن الداخلي، وبلدية بيروت.
أظهرت مبادرات أهالي الأشرفية إصرارًا على تحسين الوضع الأمني في منطقتهم، على الرغم من التحدّيات القائمة. إلّا أنّ تحقيق نتائج ملموسة يتطلّب دعمًا أكبر من السلطات المحلية، وتوفير موارد كافية، وتعزيز التعاون بين المجتمع المدني والقوى الأمنية.
من ناحية أخرى، أكد مصدر أمني لموقع “هنا لبنان” أنّ المؤشرات الأمنية شهدت تحسنًا نسبيًا خلال العام 2024، مشيدًا بالجهود التي تبذلها القوى الأمنية على الرغم من التحديات.
ولفت المصدر عينه إلى أنّه في الوقت نفسه هناك ارتفاعٌ لمعدّلات الفقر وغياب الفرص الأمر الذي أدّى إلى فتح المجال أمام العديد من الأشخاص للجوء إلى السرقة، لا بدافعٍ إجراميّ، بل كوسيلةٍ للبقاء في وجه الانهيار الاقتصادي.
وفي مقلبٍ آخر، تشير تقارير ومتابعات ميدانية إلى أنّ مناطق مثل الضاحية الجنوبية، برج البراجنة، طرابلس، بعلبك والهرمل، وصيدا، باتت الأكثر تضرّرًا من جرائم السرقة. في هذه المناطق، تنشط عصابات سرقة السيارات، النشل، سرقة المنازل، والمحال التجارية، وسط تراجع قدرة القوى الأمنية على التدخّل الفوري أو الوقائي.
إنّ فقدان القدرة الشرائية وارتفاع البطالة دفع الكثيرين إلى اليأس، ما جعل السرقة وسيلةً للبقاء لا مغنمًا إجراميًا.
بالإضافة إلى النّقص في الموارد والدعم اللوجستي الذي حدّ من قدرة القوى الأمنية على الاستجابة للنداءات، فعندما يفلت السارق من العقاب، يُفتح الباب واسعًا أمام تكرار الجريمة وانتشارها.
السرقة اليوم في لبنان ليست حدثًا طارئًا، بل عرض واضح لانهيارٍ مجتمعيّ وأخلاقيّ يتفاقم مع كلّ يوم جديد.
وإذا كان المعنيون عاجزين عن تقديم الحلول السريعة، فإنّ ما نشهده من مبادراتٍ محليةٍ في بعض الأحياء هو محاولةٌ لإبقاء بصيص أمل في أفقٍ يزداد ظلمة.
المطلوب ليس فقط خططًا أمنية، بل إعادة بناء للثقة والاقتصاد، وإلّا فإنّ السرقات ستظل مجرّد مقدّمةٍ لانفجارٍ اجتماعيّ أوسع.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() عودة سعد الحريري إلى بيروت… فرحة تعانق الشوارع وإحياء استثنائي لذكرى 14 شباط | ![]() شاي ومنتجات التخسيس… بين التسويق الزائف والمخاطر الصحية | ![]() بين عيد الميلاد ورأس السنة.. أضواء الأمل تلمع في لبنان |