بعد حادثة “المجمّع الترفيهي”… هل لا يزال الصّيف آمنًا لأطفالنا؟!


خاص 25 أيار, 2025

 

التحرّش بالطفل لا ينتهي عند الفعل. بل يكبر عندما لا نحميه بعده. يكبر حين يخاف الطفل من أن يتكلّم، وحين نخاف نحن من أن نواجِه. واليوم، نحن أمام منعطف. إمّا أن نكون أهلًا فعلًا، نأخذ قراراتنا انطلاقًا من وعيٍ وشجاعةٍ، أو نبقى في دائرة التواكل، والندم، والدموع بعد فوات الأوان.

كتبت هانية رمضان لـ”هنا لبنان”:

لم يكن خبر التحرّش الذي تعرّض له عددٌ من الأطفال داخل المجمع الترفيهي “Verebleu” خلال رحلة مدرسية مجرّد عنوانٍ عابرٍ.
الحكاية “أقذر” من أن تُختصرَ بجملةٍ، وأعمق من أن تُروى ببساطة. أكثر من خمسة عشر طفلًا، من مدرسة القلبين الأقدسين – عين نجم، خرجوا في رحلةٍ “ترفيهيةٍ”، وعادوا إلى بيوتهم وقد أصاب الطفولة شرخٌ لا يُرمَّم بسهولة.

بحسب روايات الأهالي وبعض التقارير، فقد تمّ التحرّش بالأطفال من قبل أحد الأشخاص داخل مجمّع ترفيهي في منطقة المنصوريّة أثناء الرحلة، وسط غياب واضح للمراقبة.
أطفال في عمر الزهور تعرّضوا للمسّ، للخوف، للتشويش. وليس الألم هنا في الجريمة وحدها، بل في الصّدمة التي حملوها معهم في نظراتهم وسكوتهم، في أجسادهم الصغيرة التي لم تعرف بعد كيف تشرح ما جرى.

رائحة الخوف انتشرت في كلّ بيت. لم يستطع الأهالي التكتّم عن هذه الجريمة التي وقعت بحقّ أولادهم، ففضحوا “المرتكِب”.
والمؤلِم أنّ هذه الحادثة وقعت قبل أسابيع من بدء موسم النوادي الصيفية، أو ما يُعرف بالـ”Summer camp”.

وفي تطوّرٍ لاحقٍ، تم ختم مجمع “Verebleu” الترفيهي بالشمع الأحمر، في خطوةْ تُعدّ ضروريةً ولكنها غير كافية.

ولأنّ موسم الأندية الصيفية على الأبواب، والعديد من الأهالي سيبادرون لتسجيل أطفالهم في نشاطات رياضية وثقافية وترفيهية، فإنّه وسط هذه الحماسة، قد يغيب عن بالهم سؤال جوهري: “هل المكان آمن فعلًا لطفلي؟”

بعض الأهالي ألغوا خططهم تمامًا لتسجيل أولادهم في أنديةٍ صيفيةٍ هذا العام. ليس فقط لأنّهم لا يثقون بالمسؤولين، بل لأنّهم لم يعودوا يثقون بالمنظومة كلّها: من يراقب؟ من يختار الموظفين؟ من يرافق الأطفال إلى الحمّامات؟ من يحاسِب إذا حصل مكروه؟ ومن سيُصغي إنْ تكلّم الطفل؟

وفي اتصال أجراه موقع “هنا لبنان” بالأخصائية النفسية والاجتماعية لانا قصقص، شدّدت على أنّ الحوار الدائم مع الأطفال هو خطّ الدفاع الأول ضد أي خطر قد يتهدّدهم. فبحسب قصقص، على الأهل أن يكونوا حاضرين دائمًا للحديث مع أولادهم، أن يُنشئوا بينهم مساحةً آمنةً للتعبير، ويعلّموهم بوضوح الفارق بين اللمسة المسموحة وتلك غير المسموحة، وأن يمنحوهم الثقة الكافية ليُبلغوا عن أي تصرّف يربكهم أو يزعجهم.

وتُضيف أنّ المؤسسات التربوية والترفيهية، سواء كانت مدارس أو أندية صيفية، لا يكفي أن تُوفّر الأنشطة للأطفال، بل عليها أن تلتزم بسياسات حمايةٍ صارمةٍ من التحرّش والاستغلال. هذا يشمل تدريبًا متخصّصًا للعاملين على كيفية التعامل مع الأطفال، التمييز بين المسموح والممنوع، وكيفيّة رصد أي سلوك مريب والتبليغ عنه فورًا. فلا يجوز أن يكون هناك أي تهاوُن في تطبيق هذه السياسات، ولا بدّ أن يعرف كل موظّف أن هناك محاسبة حقيقية لأي تعدٍّ.

كما أشارت إلى أنه لا يمكن تفادي التحرّش بنسبة 100%، لأن الخطر موجود دائمًا، والمتحرّش قد يكون في أي مكان. لذا، فإنّ التمكين والتوعية هما خط الدفاع الحقيقي: تعليم الأطفال قول “لا”، تمييز ما هو مقبول وما هو غير مقبول، والتبليغ عند الإحساس بعدم الارتياح. وهنا، يكون دور الأهل في الاحتضان، التصديق، والمتابعة القانونية عند حدوث أي بلاغ.

للأسف، إن الأسئلة التي كانت تُعتبر “وسواسًا” بالأمس، أصبحت اليوم واجبًا.
الأمّهات يرفضن إرسال أولادهن لأي نشاط من دون تدقيق مسبق.
آباء يتردّدون في توقيع ورقة موافقة على رحلة أو نشاط، لأنهم لا يعرفون إن كان هذا القرار سيجلب المتعة… أم يفتح باب الندم.

وهنا، لا بدّ أن نتوقف قليلًا أمام المشهد الأعمق: الأطفال أنفسهم.
أولئك الذين تعرّضوا للتحرش، قد لا يملكون الكلمات، لكن وجوههم تتكلّم. بعضهم يخاف أن يذهب إلى الحمّام وحده. آخرون يرتعبون من الأماكن المغلقة. هناك من صار يرفض الخروج من البيت، وهناك من لم يعد يبتسم.

فالتحرّش الجنسي لا يُمحى بمجرد عقاب الجاني أو إصدار بيانٍ من المدرسة.
ما حدث يُخزَّن في اللّاوعي، في ثقة الطفل بنفسه، في شعوره تجاه جسده، في علاقته بالآخرين. والأسوأ من ذلك: في نظرته إلى الأمان… وإلى من منحه الإذن بأن يكون في مكانٍ تعرّض فيه للأذى.

علينا أن نفهم، كأهل ومجتمع، أنّ أول خطوة لحماية الطفل تبدأ منّا. أن نعيد ترتيب أولوياتنا: لا شيء – لا سعر مناسب، ولا اسم مدرسة مشهورة، ولا موقع قريب – أهم من ضمان الأمان النفسي والجسدي لأطفالنا. علينا أن نسأل، أن نتحقّق، أن نزور المكان قبل التسجيل، أن نطلب معلومات عن المشرفين، عن سياسات الحماية، عن الإجراءات في حال حصول أي طارئ.

وإذا حصل ما لا نريده، علينا أن نكون إلى جانب طفلنا، لا في وجهه. أن نصدّقه. أن نحتضنه. أن نأخذه إلى متخصّصين في الدعم النفسي من دون تردّد. أن نحميه من كلام المجتمع، من نظرات الناس، من تلك النظرة التي تضع على الضحية وزر الجريمة.

التحرّش بالطفل لا ينتهي عند الفعل. بل يكبر عندما لا نحميه بعده. يكبر حين يخاف الطفل من أن يتكلّم، وحين نخاف نحن من أن نواجِه.
واليوم، نحن أمام منعطف. إمّا أن نكون أهلًا فعلًا، نأخذ قراراتنا انطلاقًا من وعي وشجاعة، أو نبقى في دائرة التواكل، والندم، والدموع بعد فوات الأوان.

الصيف ليس مساحةً للفراغ، بل فرصة.
إمّا نبنيه على أساس الأمان، أو نتركه عرضةً لخيباتٍ قد تطارد أبناءنا طويلًا.
فلنحمِ أولادنا، لا بسحبهم من كلّ نشاط، بل بالتّدقيق في كلّ مكان، بكلّ صوت، بكلّ سؤال.
فالوقاية تبدأ من الشجاعة… والشجاعة تبدأ من أن نضع مصلحة الطفل فوق كل شيء.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us