اتحاد البلديات في لبنان حجر الزاوية الغائب عن التنمية


خاص 27 أيار, 2025

بعد عشر سنوات من الغياب، عادت الانتخابات البلدية لتمنح الأمل بسلطةٍ محليةٍ جديدةٍ أكثر قربًا من الناس. لكنّ هذا الأمل لا يكتمل من دون تفعيل اتحاد البلديات، بوصفه حجر الزاوية الذي يربط بين القرى والمدن، ويُوحّد الجهود ويُعيد إنتاج مفهوم الدولة من محيطها نحو المركز.

كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:

بعد اكتمال الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان خلال شهر أيار 2025، تعود الأنظار إلى دور السلطات المحلّية كجزءٍ لا يتجزّأ من إعادة تشكيل الدولة ومقاربة الإنماء من القاعدة. وفي هذا السّياق، يُفترض أن يشكّل اتحاد البلديات رافعةً حقيقيةً للتنمية المحلية، من خلال تنسيق الجهود وتوحيد الإمكانات بين البلديات، إلّا أنّ التجربة اللبنانية في هذا المجال بقيت منقوصةً، محدودة الفاعلية، وعاجزةً عن لعب الدور الذي شُرّع لها منذ عقود.

يُعرّف اتحاد البلديات بموجب المرسوم الاشتراعي الرقم 118/1977، كهيئةٍ لامركزيةٍ ذات شخصيةٍ معنويةٍ واستقلالٍ ماليّ، تجمع بين عدد من البلديات المتجاورة جغرافيًا. ويهدف إلى إدارة المرافق العامة المشتركة وتطوير القطاعات الحيوية مثل النفايات، البنية التحتية، النقل، الخدمات البيئية، والسياحة الريفية. لكنّ الواقع يُظهرُ أنّ هذا النّموذج الإداري لم يُفعّل كما يجب، وبقي رهينةً للضعف البنيوي، وقِصَر النظر في سياسات الدولة المركزية، والتجاذبات السياسية داخل المناطق.

من أبرز العقبات التي تُقيّد فاعلية الاتحاد، غياب التمويل المستقرّ. فالاتحاد يعتمد بشكلٍ أساسيّ على مخصّصات من الصندوق البلدي المستقل ومساهمات البلديات الأعضاء. إلّا أنّ هذه الموارد لا تُصرَف بآلياتٍ عادلةٍ أو شفافةٍ، بل كثيرًا ما تخضع للاعتبارات السياسية، وتفتقر إلى الانتظام، ما يُفقد الاتحاد القدرة على التخطيط بعيد المدى، ويُجبره على العمل بموازناتٍ ضئيلةٍ أو غير كافية.

يضاف إلى ذلك، الضعف الإداري والتقني. فمعظم اتحادات البلديات تفتقر إلى الكوادر الفنّية المتخصّصة، ولا تمتلك أنظمة تخطيط أو رقابة أو حوْكمة رقمية. كما تفتقد لرؤيةٍ استراتيجيةٍ تتقاطع مع أهداف التنمية المُستدامة، ما يجعل أداءها عشوائيًا، وردود الفعل لديها متأخرة، ومشاريعها، إن وُجدت، موسميّة وظرفيّة.

وبدل أن تتحوّل الاتحادات إلى منصّات للعمل التشاركي، أصبحت في بعض المناطق امتدادًا لصراعات الزعامات السياسية، يُعيَّن فيها رؤساء على أسسٍ حزبيةٍ لا الكفاءة، وتُدار الملفات بطرقٍ فرديةٍ بدل الإدارة الجماعية، ما أفرغ التجربة من بُعدِها التنموي والوظيفي.

ومع ذلك، أظهرت بعض التجارب المحلية نجاحًا ملحوظًا، كما في اتحاد بلديات صور في الجنوب، واتحاد زغرتا الزاوية في الشمال، حيث تمّ تنفيذ مشاريع للطاقة الشمسية، وإدارة النفايات، والبنى التحتية بدعمٍ من منظمات دولية وبتخطيط محلّي مُنسّق. هذه النّماذج تؤكد أنّ الاتحاد ليس فكرةً نظريّةً، بل إمكانيّة حقيقية قابلة للتحقّق إذا ما توافرت الرؤية والدعم والكفاءة.

ولعلّ اللحظة السياسية الراهنة، بعد تشكيل مجالس بلدية جديدة في جميع المحافظات، تمثّل فرصةً ثمينةً لإعادة تعريف دور اتحاد البلديات، على أسسٍ جديدةٍ أكثر شفافية وكفاءة. المطلوب اليوم ليس فقط تفعيل القانون، بل إعادة صياغته بما يمنح الاتحاد صلاحيّات تنفيذية فعلية، ويحدّد مصادر تمويل واضحة ومستقلة، ويُلزم بوضع خطط إنمائية مشتركة على مدى خمس سنوات.

كما ينبغي على وزارة الداخلية أن تضطلع بدورٍ تنسيقي ورقابي، من خلال تطوير أدلّةٍ إداريةٍ حديثةٍ، وإنشاء منصّات رقمية مشتركة، وتنفيذ برامج تدريبية لرؤساء وأعضاء المجالس الاتحادية. إضافةً إلى فتح باب الشراكة أمام المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والجهات المانحة لتوسيع نطاق المشاريع وتشجيع الابتكار في العمل المحلّي.

ختامًا، بعد عشر سنوات من الغياب، عادت الانتخابات البلدية لتمنح الأمل بسلطةٍ محليةٍ جديدةٍ أكثر قربًا من الناس. لكنّ هذا الأمل لا يكتمل من دون تفعيل اتحاد البلديات، بوصفه حجر الزاوية الذي يربط بين القرى والمُدن، ويُوحّد الجهود ويُعيد إنتاج مفهوم الدولة من محيطها نحو المركز. ففي ظلّ هشاشة الدولة المركزية، لا خيار سوى البناء من الأطراف… واتحاد البلديات هو أول لبَنة في هذا البناء.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us