فوضى التجميل في لبنان: عيادات غير مرخّصة وتشوّهات تهدّد المواطنين

بعد توقيف صاحب عيادة تجميل غير مرخّصة في بيروت، حيث تمّ ضبط كمّياتٍ كبيرةٍ من الأدوية المنتهية الصلاحية وأخرى غير مرخّصة، كيف يمكن التمييز بين طبيب تجميل حقيقي ومراكز تعتمد على مدّعين أو غير متخصّصين؟ وما هي الخطوات الأساسية التي يجب اتخاذها قبل الخضوع لأي إجراء تجميلي؟
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
في بلدٍ بات فيه الفساد يتسلّل حتّى إلى تفاصيل الجمال، شكّل البيان الصادر عن المديرية العامة لأمن الدولة قبل يوميْن صدمةً جديدةً للرأي العام اللبناني، بعد أن أعلنت عن توقيف المدعو (م.خ.)، صاحب عيادة تجميل غير مرخّصة في منطقة قريطم – بيروت، حيث تمّ ضبط كمياتٍ كبيرةٍ من الأدوية المنتهية الصلاحية وأخرى غير مرخّصة، إضافة إلى كشف ممارساتٍ تجميليةٍ غير قانونيةٍ أدّت إلى تشوّهاتٍ جسديةٍ ومضاعفاتٍ صحيةٍ خطيرةٍ لعددٍ من الزبائن.
المثير للقلق في هذه الحادثة، أنّ صاحب العيادة لم يكتفِ بمخالفة القوانين الصحية والتنظيمية، بل أوهم زبائنه بأنّه طبيب متخصّص في الطب التجميلي، وادّعى أنّ فريق العمل الذي يوظّفه يضمّ خبراء محترفين في هذا المجال. كما روّج لمركزه على مواقع التواصل الاجتماعي بأنّه يستخدم “أجود أنواع مواد التجميل المعتمدة عالميًا”، ليُكتشف لاحقًا أن هذه المواد ليست فقط من مصادر مشبوهةٍ، بل أيضًا منتهية الصلاحية، وبعضها غير مصرّحٍ به من قبل وزارة الصحة اللبنانية.
وبحسب مصادر “هنا لبنان”، فإنّ الأشخاص الذين يعملون تحت إشراف صاحب مركز التجميل لا يملكون أي شهادات طبيّة أو تراخيص قانونية للعمل في مجال طب التجميل، بل تمّ تدريبهم لتنفيذ حقن “الفيلر” و”البوتوكس”، وعمليات تجميلٍ سطحيةٍ داخل العيادة، مقابل أجورٍ منخفضةٍ. وقد تسبّبت هذه الإجراءات، بحسب التحقيقات، بأضرارٍ وتشوّهاتٍ دائمةٍ لدى بعض السيدات اللواتي يخضعن اليوم للعلاجات، وسط غياب أي رقابة طبية أو مسؤولية مهنية”.
ولكن كيف يمكن التمييز بين طبيب تجميل حقيقي ومراكز تعتمد على مدّعين أو غير متخصّصين؟ وما هي الخطوات الأساسية التي يجب على اتخاذها قبل الخضوع لأي إجراء تجميلي؟ وإلى أي مدى تعكس هذه الحادثة واقع قطاع التجميل في لبنان؟ وهل ما حصل يعدّ حالةً استثنائيةً أم جزءًا من مشكلة أوسع وأعمق؟
تأكّد من اختصاص الطبيب قبل التجميل
الدكتور المتخصّص في التجميل طارق الحسامي يقول لموقع “هنا لبنان”: “على أي شخص يُقبل على إجراءٍ تجميلي أن يتحمّل مسؤولية التحقّق الكامل من هوية الطبيب ومؤهلاته، مشدّدًا على أنّ السؤال عن اختصاص الطبيب هو أبسط حقوق المريض، ويجب ألا يتردّد في طرحه مباشرةً، بل من حقّه أيضًا أن يطلب رؤية الشهادات الرسمية وأن يتأكد من ترخيصه عبر نقابة الأطباء”.
ويضيف الحسامي: “جراحة التجميل ليست مهنةً يمكن تعلّمها في دوراتٍ قصيرةٍ أو “ورشٍ تدريبيةٍ”، بل هي اختصاص طبي دقيق يتطلّب دراسةً لا تقلّ عن ثلاث إلى أربع سنوات بعد التخرّج من كلية الطب، وتشمل تدريبًا عاليًا على المهارات الجراحية والتشخيصية”.
وحذّر الحسامي من “الوقوع في فخ الأسعار الرخيصة أو الإعلانات المُغرية، مشيرًا إلى أنّ اللجوء إلى غير المتخصّصين يؤدي في الكثير من الحالات إلى مضاعفاتٍ خطيرةٍ وتشوّهاتٍ قد تتطلّب جراحاتٍ تصحيحيةً معقّدةً ومكلفةً، وغالبًا لا تعيد المظهر إلى طبيعته 100%”.
ويختم حديثه: “المجال التجميلي مجال طبّي بامتياز، يتطلب علمًا، مسؤوليةً، وأخلاقياتٍ مهنيةً عاليةً. وعلى المريض أن يُحسن اختيار الطبيب، لأنّ الضرر في هذا المجال قد يكون دائمًا ولا رجعة فيه”.
فوضى التجميل تهدّد اللبنانيين
من جهته، يقول رئيس جمعية الأذن والأنف والحنجرة وجراحة الوجه والعنق في لبنان الدكتور رائد رطيل: “ما حصل ليس مجرّد حادثةٍ فرديةٍ، بل هو نموذج متكرّر لما نشهده من فوضى تضرب القطاع التجميلي في لبنان. الخطر لا يكمن فقط في مزاولة المهنة من دون ترخيص، بل في الكذب المقصود على الناس، والإيهام بوجود شهادات واختصاصات غير موجودة. نحن أمام جريمة مزدوجة: تزوير في الهوية المهنية، واعتداء مباشر على صحة المواطنين”.
ويتابع رطيل: “في ظل غياب الرّقابة الجدّية وتراخي تطبيق القوانين، يشهد لبنان انتشارًا واسعًا لما يمكن تسميته بـ”الفوضى التجميلية” من خلال مراكز غير مرخّصةٍ ومواد مجهولة المصدر أو منتهية الصلاحية، وأشخاصٍ من دون أي خلفيّة طبيّة أو عِلميّة يتعاملون مع وجوه وأجساد الناس كأنّها مجرّد أدوات تجريب”.
ويضيف: “هذه الحادثة تدقّ ناقوس الخطر، صحة الناس ليست مجالًا للتجربة أو الربح السريع، ولا يجوز أن تتحوّل مهنة التجميل إلى بوابة استغلالٍ اقتصاديّ واجتماعيّ في ظلّ غياب الدولة. نحن أمام مسؤولية وطنية وأخلاقية، تفرض علينا كأطباء ومهنيين، المطالبة بتفعيل دور نقابة أصحاب مراكز التجميل ووزارة الصحة، وفرض معايير صارمة للترخيص والممارسة”.
ويختم رطيل: “الخطوة التي قام بها أمن الدولة يجب أن تكون بدايةً لحملة أوسع، تشمل الكشف على جميع المراكز التجميلية، ومحاسبة المخالفين، حفاظًا على ما تبقّى من هيبة القانون وصحّة الناس”.