أنطوان سعد لـ”هنا لبنان”: الوجود السوري خطر داهم… والحلّ الوحيد العودة الفورية

لم يعد الحديث عن النازحين السوريين في لبنان يحتمل المواربة أو التأجيل. فبعد أكثر من عشر سنوات على تدفّقهم، ووسط أزماتٍ اقتصاديةٍ خانقةٍ وانهياراتٍ متلاحقةٍ، لم يعدْ في مقدور الدولة اللبنانية تحمّل هذا العبء الديموغرافي والاجتماعي والاقتصادي.
الوقت ليس للمسايرة أو الحسابات السياسية. آن الأوان لاتخاذ قراراتٍ جذريةٍ تُعيد النازحين إلى بلادهم، بعدما انتفت معظم أسباب لجوئهم، وبعدما بات وجودهم يشكّل خطرًا فعليًا على الهوية الوطنية والتوازنات الداخلية.
في حديث خاص لـ”هنا لبنان”، يقدّم الخبير في القانون الدستوري أنطوان سعد قراءةً معمّقةً لأَبعاد هذا الملف، محذّرًا من مخاطره على الكيان اللبناني، وداعيًا إلى تحرّك عاجل يعيد الأمور إلى نصابها.
اللجوء بين البعد الإنساني والسياسي
يشير سعد إلى أن مصطلح “اللجوء” يمكن أن يحتمل أوجهًا عدّة، فهو قد يكون إنسانيًا أو سياسيًا أو دبلوماسيًا. لكن في نهاية المطاف، فإنّ الدولة المُضيفة هي مَن تملك الصلاحية لتحديد ما إذا كانت هناك أسباب قانونية تبرّر منح صفة لاجئ لأي شخص.
وفي السّياق اللبناني، لم يحصل أي اتفاق رسمي أو قانوني يُعطي السوريين صفة “لاجئين” وفقًا لتعريف القانون الدولي. وبالتّالي، لا تزال التسميات غير محسومة بين لاجئين ونازحين أو حتى مُقيمين موقتين.
واقع النزوح وموقف النظام السوري
يتابع سعد: “سواء كان وجود السوريين في لبنان ناتجًا عن نزوحٍ قسريّ أو عن هروبٍ من الاضطهاد، فإنّ الواقع أظهر لاحقًا أن الغالبية العظمى منهم ليسوا فارّين من خطر مباشر. فبحسب التقديرات، كان هناك ما يقارب 8 ملايين و200 ألف سوري قد فرّوا من النظام السوري، وهم من المطلوبين بمذكّرات توقيف ومعارضين سياسيين، توزّعوا بين لبنان وتركيا والأردن، وانتشروا في بلدان عدة”.
وأوضح: “لا شك أنّ لبنان، في تلك المرحلة، استقبل هؤلاء المضطهدين لأسباب إنسانية وسياسية، واحتضنهم. أمّا اليوم، فقد انتفت جميع دوافع النزوح والاضطهاد. ولم يعد هناك مبرّر لبقائهم في لبنان. وباتت السلطة السورية الحالية هي المسؤولة الفعلية عن مواطنيها، لا الدولة اللبنانية”.
الأثر الاقتصادي والاجتماعي والسكاني
يشدّد سعد على أنّ الوجود السوري يشكّل “عبئًا اقتصاديًا ضخمًا على لبنان، ويؤدّي إلى منافسة غير عادلة لليد العاملة اللبنانية في مختلف القطاعات، من العاملين في معظم المطاعم إلى الزراعة إلى البناء وسواها”.
ويؤكّد أنّ “أغلب هؤلاء يعملون من دون أي رقابة ضريبية، فيما يُرسلون ما يجنونه إلى سوريا، ما يحرم الدورة الاقتصادية اللبنانية من الإفادة منهم”.
الأخطر، بحسب سعد، هو أنّ “اليد العاملة السورية أصبحت بديلًا فعليًا عن اليد العاملة اللبنانية، ما يهدّد ركائز الاقتصاد الوطني ويقوّض إمكانات التعافي في ظلّ الأزمة المستمرة”.
غياب المعالجة الجدّية الرسمية
يرى سعد أنّ “الدولة اللبنانية لم تتعاطَ مع هذا الملف بجدّيةٍ حتى الآن. لا لجان واضحة ولا خطوات سريعة تُنذِر بعودة مليونَيْ نازح إلى بلادهم”.
ويقول إنّه في السابق، كان ملف النزوح ورقة ضغط بيد نظام الأسد، وورقة تفاوض بيد حزب الله، لا سيما في عهد الرئيس السابق ميشال عون، حين وُضِع القرار السياسي بشأن الملف السوري في يد الخارج.
ويشدّد على ضرورة أن تتعامل الدولة اليوم بحزمٍ مع هذا الملف، وأن تُحدّد مواعيد قريبة ومُلزمة لعودة النازحين إلى سوريا، مع الضغط على المجتمع الدولي لتسريع الخطى في هذا الاتجاه.
الخلل الديموغرافي وزعزعة التوازن
يحذّر سعد من أنّ “استمرار هذا الوجود، وتزايد عدد النازحين بسبب الولادات المتكررة، قد يؤدّي إلى تغييرات ديموغرافية خطيرة في البنية اللبنانية القائمة على توازنات الأقليات”.
ويختم سعد: “أبرز مثال على ذلك منطقة عكار، حيث تأثّرت الطائفة السنّية بشكلٍ واضحٍ بسبب سيطرة اليد العاملة السورية على بعض القطاعات وعلى معظم الأراضي الزراعية، ما انعكس سلبًا على دورة العمل المحلية وعلى التوازنات التاريخية في لبنان”.