“الحزب” يحاول جدياً ترتيب مواقعه

إذا تراجع الضغط العربي والدولي الذي يمارَس اليوم على “الحزب” لدفعه إلى تسليم سلاحه، فذلك سيتيح له استعادة المزيد من الرصيد والمواقع السياسية، واسترجاع ما خسره من نفوذ في داخل الدولة ومؤسساتها. وفي هذه الحال، سيكون مستحيلاً على أي كان في الداخل أن يناقش معه موضوع السلاح. وتجربة السنوات الطويلة السابقة تؤكد ذلك
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
أظهر “حزب الله” في الأسابيع الأخيرة إصراراً على سلوك المنهج الاعتراضي في شكل تصاعدي. ونشأ انطباع في بعض الأوساط بأنّ “الحزب” باشر هجوماً وقائياً لقطع الطريق على أي مطالبة جدية بتسليم سلاحه في شمال الليطاني، تحت ضغط المطالب الأميركية التي ستعيد تأكيدها مورغان أورتاغوس في زيارتها المقبلة. وبالفعل، بدأ “الحزب” بناء المتاريس التي تعيق اقتراب الدولة من ملف السلاح، وتؤمن له القدرة على الاحتفاظ بما زال يمتلكه من ترسانة عسكرية، بل ترميم ما خسره في حربه الأخيرة مع إسرائيل. وهو يبني حساباته على المرتكزات الآتية:
1- يعتقد “الحزب” أن المفاوضات الأميركية- الإيرانية باتت على وشك التوصل إلى تسوية الحد الأدنى، ليس فقط بما يحفظ لإيران قدرتها على تخصيب اليورانيوم، بل أيضاً استمرار دعمها للقوى المرتبطة بها في الشرق الأوسط.
2- يثق “الحزب” في أنه سيجد طرقاً مختلفة لكسر الحصار المفروض عليه والحصول على السلاح، عبر منافذ البر والبحر والجو. ومن النماذج الأخيرة الإعلان في سوريا عن ضبط كميات من الصواريخ والأسلحة كانت في طريقها إلى لبنان. فعلى رغم سقوط النظام في سوريا وانقلاب المعادلات هناك، فإنّ خط عبور السلاح من إيران فالعراق وسوريا يمكن تأمينه، على الأقل من خلال التجار.
3- يراهن “الحزب” على أنّ التشدد الإسرائيلي في التعاطي معه ومع سلاحه سيتراجع تحت ضغط الاتفاق الأميركي- الإيراني، وأن إدارة دونالد ترامب ستكبح اندفاع بنيامين نتنياهو ورفاقه في حكومة اليمين واليمين المتطرف.
4- عندما يتراجع الضغط الأميركي والإسرائيلي في ملف السلاح، ستوقف الدولة اللبنانية مطالبتها لـ”الحزب” بالتخلي عن سلاحه في شمال الليطاني. وفي الأيام الأخيرة، تحرك “الحزب” سياسياً في اتجاه قصر بعبدا، حيث أوحى أنه يجهز الأرضية لإطلاق الحوار مع رئيس الجمهورية. لكن “الحزب” في الواقع أطلق لاءات قوية في هذا الملف، واشترط أن توقف إسرائيل عملياتها وان تنسحب بالكامل من لبنان وأن تتم إعادة إعمار القرى المدمرة وإرجاع أهلها إليها، كمدخل لأي حوار في شأن السلاح. لكن الجميع يعرف أن لا مجال لإجبار إسرائيل على تلبية هذه الشروط في ظل الظروف القائمة، ما يعني تطيير الحوار حول السلاح حتى إشعار آخر. ويترجم تشدد “الحزب” بالسجال الساخن الدائر بينه وبين رئيس الحكومة نواف سلام، على خلفية مواقفه الأخيرة الداعية بقوة إلى حصر السلاح بالدولة.
5- في حسابات “الحزب” أن المساعي إلى نزع سلاح المخيمات الفلسطينية ستمنى بالفشل. وعلى الأرجح، هو سيشارك في تنفيس الضغط الذي تمارسه الدولة في هذا الاتجاه، وسيدافع عن استمرار تمسك الفصائل الفلسطينية خارج “فتح” بسلاحها، ولا سيما الحلفاء في حركة “حماس”. وسيدعم مطالبتها بفتح حوار مع الدولة حول الشروط التي يجب تلبيتها كمدخل إلى التخلي عن سلاحها. وفي العمق، السلاح الفلسطيني في لبنان يشكل متراساً حقيقياً يحمي سلاحه. إذ ليس منطقياً أن تطالب الدولة “حزب الله”، كتنظيم لبناني، بنزع سلاحه، فيما يبقى السلاح في أيدي الفلسطينيين.
هذه الرهانات الخمسة لا يراها “الحزب” صعبة التحقق، والمدخل إليها يكون بنجاح المفاوضات بين الأميركيين والإيرانيين في إنتاج تسوية تحفظ الحد الأدنى من قدرات إيران النووية والتوسعية. وهو يعتقد أن الحرب مع إسرائيل، على رغم ما تسببت به من خسائر فادحة، لم تنتزع منه الكثير من الأوراق في الداخل اللبناني، وأن القوى السياسية التي كان يستميلها ما زالت جاهزة للتموضع إلى جانبه.
وما أراح “الحزب” أخيراً هو نجاحه في إثبات حضوره في الانتخابات البلدية، في مختلف المناطق. فهو أولاً حافظ على التركيبة “الثنائية” التقليدية مع “أمل”، وبها اجتاح البلدات الشيعية، ومن خلال التزكية في كثير من الأحيان. وفي أي حال، “الثنائي” ليس مضطراً إلى التزكية ليفوز بالبلديات، وهو قادر على اكتساح معظمها هذه البلدات أو كلها لو خاض فيها المعارك، لكنه أراد التزكية ليوجه رسالة ذات تأثير معنوي، ومفادها أن لا مجال حتى للاستفتاء على الخيارات في البيئة الشيعية، وأنها محددة مسبقاً ولا تتبدل، وليس لأحد أن يعذب نفسه ويخوض المنافسة.
كما أن “الثنائي” خاض الانتخابات البلدية في مناطق أخرى ليس للشيعة فيها ثقل أساسي، في الجنوب والبقاع والجبل والشمال وبيروت. وقد نجح هناك في ترجيح كفة الحلفاء هنا أو هناك. ويعود ذلك إلى طبيعة التركيبة السياسية والنظام الذي يدير الانتخابات البلدية، وإلى حسابات الربح والخسارة والمصالح التي تتحكم باللعبة السياسية، خصوصاً أن الجميع بدأ يستعد لمعركة الانتخابات النيابية بعد عام.
ولذلك، إذا تراجع الضغط العربي والدولي الذي يمارس اليوم على “الحزب” لدفعه إلى تسليم سلاحه، فذلك سيتيح له استعادة المزيد من الرصيد والمواقع السياسية، واسترجاع ما خسره من نفوذ في داخل الدولة ومؤسساتها. وفي هذه الحال، سيكون مستحيلاً على أي كان في الداخل أن يناقش معه موضوع السلاح. وتجربة السنوات الطويلة السابقة تؤكد ذلك.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() أورتاغوس تُوجِّه الإنذار الأخير في مسألة السلاح… وتؤكد: لبنان لا يحتاج لصندوق النقد | ![]() لبنان آخِرُ مَن يوقِّع… وآخِرُ مَن يَعلَم! | ![]() الحوار حول السلاح لن ينطلق |