حماوة زيارات الرئيس عون تكسر جليد العزلة: السّعوديّون في لبنان بعد الأضحى؟

“عهدي أن أُقيم أفضل العلاقات مع الدّول العربيّة الشّقيقة”، هذه الجملة الّتي وَردت في خطاب القسم الّذي ألقاه رئيس الجمهوريّة لم تكن “حشوًا”، بل مسارًا بدأ بالعمل عليه لاستعادة الثّقة العربيّة والدّوليّة بلبنان، وصولًا إلى توفير الدّعم الاقتصادي والمالي له عن طريق الاستثمارات والقروض والهبات، والمساهمة في إعادة الإعمار. فهل سينجح الرئيس عون في إنعاش “السّيادة”، الّتي تُشكّل بدورها مفتاحًا لإنعاش “الثّقة”؟
كتب إيلي صروف لـ”هنا لبنان”:
على بساطٍ من الوعود والاتفاقيّات والمكاسب، يتنقّل الرئيس جوزاف عون بين الدّول العربيّة، بإطار حراكه الدّبلوماسي النّاشط، في محاولةٍ لترميم العلاقات الّتي تصدّعت لسنوات، وتصويب بوصلة السّياسة الخارجيّة بعد كابوس العزلة والقطيعة؛ وبالتّالي إعادة لبنان إلى حضنه العربي. عودةٌ مفتاحها الأساسي استكمال مسار بناء الدّولة ومؤسّساتها، الاستقرار الأمني، والشّروع بالإصلاحات المطلوبة على أكثر من صعيد.
متسلّحًا بالثّقة الدّاخليّة والخارجيّة الّتي حظيَ بها منذ انتخابه رئيسًا للجمهوريّة، اختار العماد جوزاف عون أن تكون السّعوديّة وجهته الخارجيّة الأولى، بعدما خَلع بزّته العسكريّة وارتدى بدلته المدنيّة. صحيحٌ أنّ زيارته كانت نوعًا من الإيفاء بالوعد، قصيرةً، ولم يرافقه فيها سوى وزير الخارجيّة والمغتربين يوسف رجّي، إلّا أنّه يُمكن اعتبارها ناجحةً، وأشبه بـ”ردّ جميلٍ” للبلد الّذي عَبّد له الطّريق من اليرزة إلى بعبدا.
ولعلّ أبرز ما حقّقَته، كان التّفاهم بين الرّئيس عون وولي العهد السّعودي محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على مجموعة ثوابت، بإطار فتح صفحةٍ جديدةٍ في العلاقات بين البلدين، والإتفاق على “البدء بدراسة المعوّقات الّتي تواجه استئناف التّصدير من لبنان إلى السّعوديّة، والإجراءات اللّازمة للسّماح للمواطنين السّعوديّين بالسّفر إليه”. فإغلاق الأسواق السّعوديّة أمام المنتجات اللّبنانيّة، نتيجة استغلال عمليّات التّصدير لتهريب المخدّرات، كان صفعةً قاسيةً للقطاع الزّراعي. أمّا حظر سفر السّعوديّين إلى لبنان، فخلّف ندوبه على القطاع السّياحي اللّبناني بشكلٍ خاص والعجلة الاقتصاديّة بشكلٍ عام.
من الرياض، توجّه الرئيس عون في محطّته الثّانية إلى القاهرة، حيث شارك في افتتاح أعمال القمّة العربيّة الطّارئة، وألقى كلمةً بارزةً على صعيد توصيف الوضع اللّبناني ومقاربة القضيّة الفلسطينيّة، كما التقى على هامشها بعددٍ من القادة العرب. جدولُ زيارات قائد الجيش السّابق شمل أيضًا قطر في ١٦ نيسان ٢٠٢٥، حيث أكّد أمير البلاد تميم بن حمد آل ثاني “وقوف قطر إلى جانب لبنان وشعبه ومؤسّساته”، معلنًا “تجديد الهبة القطريّة لدعم رواتب الجيش اللّبناني بمبلغ ٦٠ مليون دولار، بالإضافة إلى ١٦٢ آليّة عسكريّة لتمكينه من القيام بمهامه الوطنيّة”.
تدشينُ المرحلة الجديدة من علاقات لبنان مع الخليج العربي، استُكمل بالزّيارة المهمّة الّتي أجراها الرّئيس عون إلى الإمارات في ٣٠ نيسان الماضي، والّتي تكلّلت بإعلان وزارة الخارجيّة الإماراتيّة إلغاء قرار منع سفر مواطنيها إلى لبنان، ما شكّل جرعة أوكسيجين للقطاع السّياحي الّذي يصارع للبقاء. بعدها، حطّ عون رحاله في الكويت، حيث بحث مع أمير البلاد مشعل الأحمد الجابر الصباح بسبل دعم العلاقات الثّنائيّة وتعزيزها في مختلف المجالات، وتبلّغ منه رفع التّمثيل الدّبلوماسي بين الكويت ولبنان.
انعكاسات بالجُملة
هذه الزّيارات، ورغم أنّ البعض يرى فيها “زحفًا” إلى الدّول الخليجيّة، كانت لها دلالات إيجابيّة وانعكاسات مباشرة على الوضع الدّاخلي اللّبناني، فضلًا عن نتائج مرتقبة على المَديَين القريب والمتوسّط. في هذا الصّدد، يوضح الكاتب والمحلّل السّياسي جوني منيّر في حديث لـ”هنا لبنان”، أنّ “الزّيارات شكّلت باكورة انطلاقة العهد، أملًا باستعادة الرّوابط مع الدّول العربيّة وتحديدًا الخليجيّة، فهذه العلاقات اهتزّت وتعرّضت لانتكاساتٍ كبيرةٍ في المراحل السّابقة، ما أدّى إلى منع الرّعايا الخليجيّين من زيارة لبنان لأسبابٍ عديدة”.
ويبيّن أنّ “هذه الجولة هدفها أوّلًا إعادة إحياء العلاقات المميّزة بين لبنان ودول الخليج، وثانيًا رفع الحظر عن سفر الرّعايا الخليجيّين إلى لبنان، ما يسمح بإعادة التّواصل الطّبيعي معهم وإعادة تحريك القطاع السّياحي الّذي يشكّل ركيزةً أساسيّةً للاقتصاد في لبنان”.
ويركّز منيّر على أنّ “الهدف الثّالث لهذه الزّيارات هو التّأكيد على بدء حقبةٍ سياسيّةٍ جديدةٍ في لبنان، على أنقاض الحقبة السّابقة. ففي السّابق، كانت إيران تشكّل بطريقةٍ أو بأخرى المرجعيّة الإقليميّة للبنان، أمّا اليوم فقد جرى إبعاد إيران عن لبنان، لا سيّما بعد وقف الرّحلات الجوّيّة المباشرة بين طهران وبيروت، في مقابل تمتين العلاقات السّياسيّة مع دول الخليج، وعلى رأسها السّعوديّة الّتي من الواضح أنّها باتت المرجعيّة أو السّند الإقليمي للبنان في المرحلة الجديدة”.
هذه الصّفحة المستجدّة في العلاقات اللّبنانيّة- الخليجيّة بدأت تُكتب سطورها حتّى قبل الجولة الرّئاسيّة. إذ يلفت إلى أنّ “الانعكاس السّياسي للحقبة الجديدة كان واضحًا بدءًا من انتخاب الرّئيس عون الّذي كان الدّعم السّعوديّ أساسيًّا لإنجازه، مرورًا بوصول القاضي نواف سلام إلى رئاسة الحكومة والدّعم الدّاخلي له، وحتّى على مستوى إعادة تعزيز الرّوابط السّياحيّة. فالقطاع عانى من نزيفٍ حادٍّ خلال فترة القطيعة قبل الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على لبنان، ودُمّر تقريبًا بشكل كبير مع العدوان”.
ويذكّر منيّر بأنّ “السيّاح العرب والخليجيّين أَدخلوا نحو ٩ مليارات دولار إلى لبنان في العام ٢٠١١، وبلدنا اليوم بأمسّ الحاجة لهكذا أموال”، لافتًا إلى أنّه “يبدو أنّ السّعوديّة ستحذو حذو الإمارات، وستعلن قريبًا جدًّا رفع حظر سفر رعاياها إلى لبنان، وقد تتمّ هذه الخطوة بعد عيد الأضحى. بالتّالي ما سبق ذكره هو انعكاسات مهمّة جدًّا على الصّعيدَين السّياسي والسّياحي”.
الملف السّوري vs الملف اللّبناني
بموازاة محاولات الرّجل المقرَّب من الولايات المتّحدة الأميركيّة والسّعوديّة لإعطاء زخمٍ للملّف اللّبناني على الأجندات الخارجيّة، بَرز مؤخّرًا تصدُّر الملف السّوري للاهتمام الأميركي، خصوصًا بعد إعلان الرّئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، واللّقاء الحدث الّذي جمعه بالرّئيس السّوري الانتقالي أحمد الشّرع في الرّياض. وعمّا إذا كان الملف السّوري قد أزاح نظيره اللّبناني عن جدول اهتمامات الإدارة الأميركيّة، يؤكّد منيّر أنّ “هذا الأمر غير صحيح، والملف اللّبناني حاضر وهو أحد الملفّات الموجودة على الطّاولة، وترامب تحدّث عن لبنان أكثر من مرّةٍ خلال زيارته الأخيرة إلى الخليج”.
ويشرح أنّ “في سوريا يوجد انقلابٌ كاملٌ ومسارٌ سياسيٌّ جديدٌ، وقد اندثر النّفوذ الإيراني، وأتت إلى الحُكم جماعاتٌ كانت تَحمل في السّابق صبغةً إرهابيّةً أمّا اليوم فهي تُطبّع مع أميركا، وذاهبة باتجاه التّفاوض وربّما السّلام مع إسرائيل…. وكلّ هذه الأمور تهمّ الأميركيّين بدرجةٍ كبيرة. كما أنّ لبنان يتأثّر مباشرةً بما يجري في سوريا، وبالتّالي الحلقة الأكبر هي الحلقة السّوريّة، لكنّ ذلك لا يعني إطلاقًا أنّ لبنان متروكٌ أو سيكون هديّةً أو ثمنًا لتسويات كما كان يحصل في السّابق”.
“عهدي أن أُقيم أفضل العلاقات مع الدّول العربيّة الشّقيقة”، هذه الجملة الّتي وَردت في خطاب القسم الّذي ألقاه رئيس الجمهوريّة لم تكن “حشوًا”، بل مسارًا بدأ بالعمل عليه لاستعادة الثّقة العربيّة والدّوليّة بلبنان، وصولًا إلى توفير الدّعم الاقتصادي والمالي له عن طريق الاستثمارات والقروض والهبات، والمساهمة في إعادة الإعمار. فهل سينجح عون في إنعاش “السّيادة”، الّتي تُشكّل بدورها مفتاحًا لإنعاش “الثّقة”؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() قطار المتغيّرات انطلق… فهل سيلحق لبنان بالرَّكب؟ | ![]() تحرير سعر ربطة الخبز… إلى 65 ألف ليرة سِر! | ![]() في سيناريوهات الحرب: مصير لبنان النّفطي معلّق بالممرّ البحري |