تنظيم قطاع “المحافظ الإلكترونية”: خطوة حاسمة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب


خاص 29 أيار, 2025

القرار الوسيط 13218 لا يُعدّ مجرّد تحديث تشريعي، بل هو خطوة استراتيجية لتنظيم الفوضى الرّقمية التي تراكمت خلال السنوات الماضية، ووضع الأسس الصلبة لبنية مالية إلكترونية آمنة، شفّافة، ومتصلة بالقانون الدولي والمصلحة الوطنية.


كتبت بشرى الوجه لـ”هنا لبنان”:

في ظلّ التحديات المالية والنقدية المتفاقمة التي يشهدها لبنان، أصدر مصرف لبنان القرار الوسيط الرقم 13218 لتعديل القرار الأساسي الرقم 7548، والمتعلّق بتنظيم العمليات المالية والمصرفية المنفّذة بالوسائل الإلكترونية، لا سيما خدمة المحفظة الإلكترونية. ويأتي هذا القرار في توقيتٍ حساسٍ، ليؤكّد مجدّدًا على أهمية تنظيم هذا القطاع الحيوي وضبطه ضمن إطار قانوني وشفاف.

القرار الجديد يشدّد على ضرورة الالتزام الصارم بخطط العمل (Business Plans) التي تقدّمها المؤسسات للحصول على ترخيص من مصرف لبنان، تحت طائلة سحب الترخيص أو فرض عقوباتٍ إداريةٍ في حال الإخلال بالمتطلّبات. كما يفرض إنشاء حساباتٍ مصرفيةٍ مستقلّةٍ ومحميةٍ للأموال المخصّصة للمحافظ الإلكترونية، وتقديم تقارير مالية شهرية مفصّلة للمصرف المركزي ولجنة الرّقابة على المصارف.

وفي هذا السّياق، يوضح رئيس “الجمعية الاقتصادية اللبنانية” الدكتور منير راشد لـ”هنا لبنان” أنّ “هذا التعميم هو لأجل المحافظ الالكترونية ويجب أن تعمل المؤسّسات على الـ”Business Plans” التي تقدّمها لمصرف لبنان، والمؤسّسات التي لا تلتزم بهذه الخطة ستتعرّض للتوقيف أو للغرامات، الأمر الذي يفيد بشكلٍ أساسيّ بمسألة السرّية المصرفية وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وهي للسيطرة على هذه الأمور”.

وتكمُن أهمية هذا التنظيم، بحسب راشد، في تمكين الدولة من معرفة مصدر الأموال ووجهتها من خلال التدقيق الدوري ومتابعة العمليات المالية ضمن القنوات القانونية، مما يحدّ من الاستخدام العشوائي وغير المشروع للنقد. ويضيف: “هذا يحدث عن طريق توفير معلومات عن الأموال للمصرف المركزي، من أين أتت وكيف ولماذا، بالإضافة إلى جمع معلومات عن المصدر، وذلك لنعود من التصنيف الرمادي إلى التصنيف الأبيض”.

إنّ هذا التوجه يعكس رغبةً حقيقيةً في الانتقال من اقتصاد نقدي (Cash Economy) هشّ وغير خاضع للرّقابة، إلى اقتصادٍ منظمٍ وشفافٍ يخدم مصلحة المواطن والدولة معًا. فالمحافظ الإلكترونية، حين تكون تحت مظلّة تنظيم مُحكم، لا تسهّل المعاملات اليومية فحسب، بل تتيح أيضًا للدولة مراقبة تدفّقات الأموال، مما يساعد على تقليص عمليات تبييض الأموال وتمويل الأنشطة غير المشروعة.

ولا يمكن فصل هذا القرار عن المساعي الجارية لإعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، الذي لطالما اعتُبر من أهم روافد الاقتصاد الوطني. فالعودة إلى المعايير الدولية وتطبيق ممارسات الحوْكمة والشفافية باتت اليوم شرطًا أساسيًا للخروج من “اللائحة الرمادية” لمجموعة العمل المالي (FATF)، ما من شأنه أن يعزّز قدرة لبنان على جذب الاستثمارات ويُعيد فتح قنوات التعاون المالي مع العالم.

وبالتّالي، فإن القرار الوسيط 13218 لا يُعدّ مجرّد تحديث تشريعي، بل هو خطوة استراتيجية لتنظيم الفوضى الرّقمية التي تراكمت خلال السنوات الماضية، ووضع الأسس الصلبة لبنية مالية إلكترونية آمنة، شفّافة، ومتصلة بالقانون الدولي والمصلحة الوطنية.

وما هو مطلوب اليوم من الجهات المعنية، سواء كانت شركات مقدّمة لخدمات الدفع أو جهات رقابية، أن تتعاون في تنفيذ هذا الإطار الجديد بحذافيره، لما فيه مصلحة الاقتصاد اللبناني واستقراره النقدي والمالي.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us