من دمشق إلى بيروت: الغاز القطري يشعل الأمل.. والهواء اللبناني لا يزال ملوّثًا بالانتظار


خاص 31 أيار, 2025

سوريا، رغم كل الحصار والدّمار، تحاول التحوّل من ساحة حرب إلى ساحة بناء. لبنان، رغم تاريخه ونظامه “الديمقراطي”، يصرّ على أن يبقى رهينة الجمود، ورهينة خطاب فارغ عن “الصمود”.

كتب سلام الزعتري لـ”هنا لبنان”:

إذا كنت تبحث عن المفارقة في الشرق الأوسط، فلا تذهب إلى اليمن أو السودان. يكفي أن تقارن اليوم بين بلدين يشتركان بحدود طويلة وتاريخ أطول من الأزمات: سوريا ولبنان.

سوريا خرجت من حرب، لكنها قررت أن تكتب فصلًا جديدًا. ولبنان خرج من دستور 1943، ولا يزال يتصرف كأنّ 1943 هي المستقبل.

منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، ومن ثم تولّي أحمد الشرع (القيادي السابق في هيئة تحرير الشام) رئاسة الحكومة الانتقالية في يناير 2025، بدأت دمشق تنبض مجددًا. ما كان قبل عام مجرّد أحاديث دبلوماسية، صار الآن عقودًا موقّعة، وأموالاً تتدفق، وأبراج كهرباء تُخطط على الورق.

خلال أسبوعين فقط من مايو 2025، حصل التالي:

 1. صفقة قطرية للطاقة بـ7 مليارات دولار: مذكرة تفاهم وُقّعت في دمشق لبناء أربع محطات غازية ومحطة طاقة شمسية، بحضور المبعوث الأميركي الخاص توم باراك. نعم، الأميركي. في دمشق.

 2. عقد بقيمة 800 مليون دولار مع موانئ دبي لتطوير وتشغيل مرفأ طرطوس، ليرتفع دور سوريا في سلاسل التوريد من البحر الأبيض نحو الداخل.

 3. السعودية وقطر سدّدوا ديونًا على سوريا لصالح البنك الدولي بقيمة 15.5 مليون دولار، لتُفتح أمام دمشق أبواب التمويل الدولي مجددًا.

 4. العقوبات الأميركية؟ رُفعت. الاتحاد الأوروبي؟ خفف القيود البنكية. الشرع؟ وجّه دعوة رسمية للاستثمار الأميركي في النفط والاتصالات.

لا يوجد التزام مالي أميركي حتى اللحظة، ولكن الباب مفتوح. تركيا أيضًا تتحرّك. وروسيا، كعادتها، تلوّح بالدعم دون شيك. أما الصين، فتدرس كيف يمكن أن تستخدم مرفأ طرابلس في لبنان كقاعدة لإعادة الإعمار السوري.

في المقابل، لبنان لا يحتاج إلى “إعادة إعمار”.

لبنان يحتاج إلى “إعادة تشغيل نظام”.

منذ انفجار مرفأ بيروت في 2020، مرورًا بالانهيار المالي في 2019، وصولاً إلى الصراع الأخير مع إسرائيل في 2024، والبلد لا يزال يفاوض، ويؤسس لجانًا، ويرفع الشعارات. أما الإصلاحات؟ فهي مؤجلة، ريثما “تتفق المكونات”.

 • الاستثمارات الدولية؟ تراجعت.

  • مساعدات البنك الدولي؟ صرف طارئ لا يبني اقتصادًا.

 • مشروع سكك الحديد مع سوريا؟ موجود على الورق منذ 2018.

 • إعادة الإعمار؟ 11 مليار دولار حاجة ماسة، لا يوجد تمويل واضح.

ورغم أنّ لبنان حصل على 9 مليارات دولار من المساعدات الدولية منذ 2015، إلا أنّ أي مشروع وطني جاد لم يرَ النور. بينما الدولة الرسمية تتابع من بعيد، كأنها مراقب في لعبة لا يعرف قوانينها.

أحمد الشرع يصافح ترامب… وبيروت تنتظر توقيع موظف

أكثر ما يُحرج العقل اللبناني اليوم هو أن الرئيس السوري المؤقت، القادم من خلفية “جهادية”، يلتقي ترامب في الرياض، ويعود باتفاقات وشراكات، بينما الحكومة اللبنانية تنتظر توقيع مدير عام لتعيين موظف في وزارة.

سيشهد الأسبوع الثاني من حزيران زيارة مورغان أورتاغوس إلى بيروت. الرسالة التي ستحملها لا تحتاج إلى مترجم: “إما أن تفككوا سلاح حزب الله وتبادروا بالإصلاح، أو لا تحلموا بأي استثمار، لا من الخليج، ولا من الغرب، ولا حتى من الجيران.”

زيارة أورتاغوس ليست نصيحة دبلوماسية. إنها إنذار من نوع ناعم وخطير: الدول التي لا تقرر مصيرها بنفسها، سيتقرّر لها من الخارج… ومن دون عاطفة.

في بيروت، الحكومة اللبنانية بقيادة نواف سلام تسير بخطى توصف بـ”أبطأ من سلحفاة مترددة على طريق زلِق”. الرجل المحترم قانونيًا، الحذر دبلوماسيًا، والمحبوب دوليًا، لا يزال يفتّش عن أرضية وسطى في نظام لا يؤمن إلا بالتعطيل. لا قرارات جريئة، لا كسر للمحرمات السياسية، ولا حتى جدول إصلاحي واضح. وكأن الحكومة قررت أن تنجو بالحد الأدنى من الحركة، متناسية أن القطار الإقليمي سيمرّ بسرعة… ومن لا يقفز عليه الآن، سيُترك وحيدًا على رصيف النسيان. الخليج يراقب، واشنطن بدأت تتململ، وأوروبا لم تعد مستعدة لتمويل “وهم الإصلاح اللبناني” إلى ما لا نهاية. المطلوب ليس أوراق عمل… بل عمل فعلي.

سوريا اليوم تحشد أكثر من 7.8 مليار دولار في استثمارات مؤكدة، بينما تسعى لجذب أكثر من 250 مليار خلال العقد القادم.

لبنان لا يطلب سوى 11 مليار، لكنه لا يجرؤ على كتابة بند إصلاحي واحد.

فارق بسيط، لكنه قاتل: سوريا قررت أن تعيش بعد الدمار. لبنان قرر أن ينتظر.

وفي عالم السياسة والاقتصاد، من ينتظر كثيرًا… غالبًا ما يُستبعد.

سوريا، رغم كل الحصار والدّمار، تحاول التحوّل من ساحة حرب إلى ساحة بناء. لبنان، رغم تاريخه ونظامه “الديمقراطي”، يصرّ على أن يبقى رهينة الجمود، ورهينة خطاب فارغ عن “الصمود”.

الاستثمارات ليست فقط أرقامًا، بل انعكاساً للثقة. وثقة العالم بلبنان، اليوم، في الحضيض. ما لم يتحرّك القادة – أو يتغيّروا – فلن يطرق أحد الباب مرتين.

منتصف حزيران قد لا يكون مجرد زيارة… بل بداية العدّ التنازلي: إما أن تُفكّكوا منظومة السلاح الموازي للدولة ، وتُطلقوا مسار الإصلاح… أو تنسوا الدعم، تنسوا الاستثمارات، وتعتادوا العزلة.”

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us