“ضريبة خفية”: الحكومة تثبّت أسعار المحروقات وتحمّل المواطن كلفة المنح العسكرية


خاص 2 حزيران, 2025

قررت الحكومة اللبنانية تجميد أسعار المحروقات عند مستويات مرتفعة عبر تثبيت تسعيرتها عند المعدلات التي كانت معتمدة بتاريخ 8 شباط 2025، أي قبل انخفاض الأسعار العالمية. هذا القرار الذي يُعدّ عملياً ضريبة مقنّعة على البنزين والمازوت أدى إلى ارتفاع سعر صفيحة البنزين بنسبة 7%، والمازوت بنسبة 14%، في وقت تعاني فيه معظم الأسر اللبنانية من انهيار قدرتها الشرائية وغياب أي أفق اقتصادي واضح

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

في قرار مفاجئ اتخذه مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة، قررت الحكومة اللبنانية تجميد أسعار المحروقات عند مستويات مرتفعة، عبر تثبيت تسعيرتها عند المعدلات التي كانت معتمدة بتاريخ 8 شباط 2025، أي قبل انخفاض الأسعار العالمية. القرار الذي يُعد عملياً ضريبة مقنّعة على البنزين والمازوت، أدى إلى ارتفاع سعر صفيحة البنزين بنسبة 7%، والمازوت بنسبة 14%، في وقت تعاني فيه معظم الأسر اللبنانية من انهيار قدرتها الشرائية وغياب أي أفق اقتصادي واضح.
الذريعة الرسمية التي رافقت هذا الإجراء كانت تأمين تمويل منح مالية شهرية للعسكريين بقيمة 14 مليون ليرة للعاملين في الخدمة و12 مليوناً للمتقاعدين، إلا أنّ الخطوة أثارت تساؤلات واسعة، لا سيما في ظل عدم شمول موظفي القطاع العام الآخرين بأي تحسينات موازية.
فهل فعلاً كانت هذه الضريبة ضرورة مالية؟ أم أن السلطة تلجأ مجدداً إلى تحميل المواطن كلفة تمويل سياساتها؟ وهل يمكن تبرير التثبيت الاصطناعي للأسعار في ظل تراجع الأسواق العالمية؟ وما هي التداعيات الفعلية لهذا القرار على الأسواق وواقع المعيشة؟

في هذا السياق يقول عضو نقابة أصحاب المحطات جورج البراكس إنّ “الضريبة الجديدة على المحروقات أشعلت فتيل الغضب الشعبي، لافتاً إلى أن هذا الغضب قد يكون داخلياً حتى الآن، لكنه مرشح للظهور إلى العلن والطرقات في أي لحظة”.
ويضيف البراكس “الشعب اللبناني غير راضٍ بطبيعة الحال، لأن هذه الضريبة تمس بشكل مباشر قدرته الشرائية، مشيراً إلى أن انعكاساتها السلبية ستطال كل السلع الاستهلاكية، من أسعار المنتجات في السوبرماركت، إلى كلفة اشتراكات المولدات الخاصة، بسبب ارتباطها المباشر بأسعار البنزين والمازوت”.
ويتابع: “كنا ننتظر من السلطة أن تتخذ إجراءات إصلاحية حقيقية، لا أن تفرض ضريبة عامة على قطاع يمس كل المواطنين. صحيح أنّ من صلاحية الدولة فرض الضرائب التي تراها مناسبة، لكن كان الأولى أن تفرض على أماكن لا تؤثر بشكل مباشر على معيشة الناس”.

ويشير البراكس إلى “إمكانية فرض ضرائب على الأملاك البحرية، أو استثمار مؤسسات الدولة بالشكل الصحيح، وكذلك فرض رسوم على الكماليات مثل الدخان والمشروبات الروحية، لأنها لا تؤثر على جميع فئات الشعب اللبناني، بدل أن تفرض على المحروقات”.

ويشدد البراكس على أن “قطاع المحروقات ليس له أي دخل من هذه الضريبة، ولا تصل أي ليرة إلى جيب أصحاب المحطات، فكل الإيرادات ستذهب مباشرة إلى خزينة الدولة، معتبراً أنّ الطريقة التي قدم بها وزير الإعلام مبررات هذه الزيادة، بحجة تمويل تعويضات العسكريين، لم تكن موفقة”.
ويختم بالقول: “لا يمكن تحميل العسكريين مسؤولية تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، فخزينة الدولة هي صندوق موحد تدخل فيه جميع الضرائب والرسوم، ولا يمكن تخصيص إيراد معين لفئة محددة بهذه الطريقة”.
من جهته، يرأى الخبير الاقتصادي البروفسور بيار الخوري أنّ “ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان لا يُختصر بأرقام أو أعباء إضافية، بل يمثل عاصفة تضرب عمق الاقتصاد والمجتمع، وتكشف هشاشة البنية القائمة التي لا تزال تتآكل تحت وطأة الأزمات المستمرة منذ سنوات”.
ويلفت الخوري في حديثه إلى أنّ “قطاع النقل يُعد من أولى القطاعات المتضررة، كونه يشكّل شريان الحياة اليومية، سواء لنقل البضائع أو للعمال والطلاب والسياح”، مشيراً إلى أنّ “تكاليف تشغيل السيارات الخاصة، الحافلات، الشاحنات وسيارات الأجرة ترتفع مباشرة مع كل زيادة في أسعار البنزين أو المازوت، ما يدفع العاملين في هذا القطاع إلى رفع أسعار خدماتهم أو تقليص نشاطهم، وهو ما ينعكس سريعاً على أسعار السلع والخدمات في السوق المحلي”.

ويتابع: “القطاع الصناعي يواجه بدوره ضغوطاً هائلة، إذ تعتمد المصانع بشكل كبير على المولدات الخاصة نظراً لضعف التغذية الكهربائية من الدولة، وكل ارتفاع في أسعار المازوت يؤدي إلى زيادة في كلفة الإنتاج لا يستطيع المستهلك تحملها”.
ويضيف أنّ “الزراعة ليست بمنأى عن هذه التداعيات، فالمزارعون يعتمدون على المحروقات لتشغيل المضخات والآليات الزراعية، وحتى في نقل المحاصيل إلى الأسواق”.

ويشير الخوري إلى أنّ “الأخطر من التأثير المباشر هو الانعكاس غير المباشر لهذه الأزمة، لا سيما في قطاعي التجارة والخدمات، حيث ترتفع تدريجياً كلفة الإيجارات وأسعار السلع والنقل الداخلي، ما يضغط بشكل متزايد على القدرة الشرائية للمواطنين”. وأوضح أن “الأسر المحدودة الدخل، التي تشكل الشريحة الأكثر هشاشة، قد تنفق ما بين 30 و40% من دخلها الشهري على المحروقات بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يعمق من أزمتها المعيشية”.

ويردف: “مع تقلص الدخل الحقيقي، تبدأ هذه الأسر بتغيير أنماط استهلاكها، فتخفض من إنفاقها على اللحوم أو التعليم أو الصحة، أو تتخلى عن وسائل نقل آمنة، ما يزيد من تهميشها اجتماعياً واقتصادياً”.

كما يؤكد أن “السيناريو الأخطر يتمثل في الانزلاق المتسارع نحو الفقر وانعدام الأمن الغذائي، في ظل تآكل الدخل المتاح وارتفاع كلفة السلع والخدمات الأساسية، فيما يُستبدل الإنفاق الجيد ببدائل منخفضة الجودة”.
ويشير إلى أن “الأزمة تتفاقم ضمن بيئة اقتصادية مشلولة، تفتقر إلى النمو، وتشهد انكماشاً متواصلاً، وانعداماً للثقة، وتأخراً في تنفيذ الإصلاحات الضرورية، ما يخلق حلقة مفرغة من التضخم والبطالة وتراجع الطلب والإنتاج”.

وفي ما يتعلق بآليات التكيف، يوضح الخوري أن “القطاعات المتضررة قد تلجأ إلى حلول قصيرة الأمد، كاستخدام الطاقة الشمسية في بعض المصانع، تقليص حجم الأعمال، أو تقاسم التكاليف من خلال شراكات جماعية”، لافتاً إلى أن “الأسر بدورها تعتمد بشكل متزايد على شبكات التضامن الاجتماعي، من جمعيات ومبادرات محلية، لكنها حلول هشة وغير مستدامة”.

ويشدد على أن “الدعم الحكومي، سواء عبر بطاقات تموينية أو دعم مباشر للمحروقات، يبدو خياراً منطقياً على الورق، لكنه شبه مستحيل في ظل الانهيار المالي العام للدولة، وأي إجراء من هذا النوع قد يفاقم العجز ويغذي دوامة التضخم”.
أما عن آفاق المرحلة المقبلة، فيشير الخوري إلى وجود سيناريوهين متناقضين: “إذا استمرت أسعار المحروقات في الارتفاع دون تدخل أو تحسن اقتصادي، فإن لبنان مقبل على مزيد من الإفقار، توسع الاقتصاد غير الرسمي، تآكل شبكات الأمان الاجتماعي، وربما انفجارات اجتماعية وتوسع في شبكات الجريمة المنظمة”.
أما السيناريو الثاني، فيقوم على “احتمال تحسن نسبي، في حال دخول استثمارات جديدة أو إبرام اتفاقيات دولية أو تحقيق استقرار سياسي جزئي، ما قد يخفف من وطأة الأزمة عبر خلق فرص عمل وتحسين المداخيل”.

ويختم الخوري بالتأكيد على أن “المعالجة الجذرية للأزمة تمر حكماً عبر إصلاح منظومة الطاقة والنقل، وبناء اقتصاد منتج ومرن، وإلا سيبقى اللبناني رهينة لعبة أسعار لا يملك أدوات السيطرة عليها”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us