خطة هجومية متكاملة دفاعاً عن السلاح

مشكلة البلد تبقى هي نفسها. فهناك فريق يخطط للاحتفاظ بالسلاح والنفوذ وينفذ، فيما القوى المطالبة بحصر السلاح في يد الدولة لا تفعل شيئاً سوى انتظار “ظروف ما” تسمح بفتح “حوار ما”، “يوماً ما”. وفي النتيجة، لن ينطلق الحوار تحت وطأة المشكلات المتناسلة قصداً، والتي يُراد منها منع أيٍّ كان من الحصول على “ترف” المطالبة بنزع السلاح
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
من جديد، دخل لبنان مستويات عالية من الاحتقان السياسي. وفيما كان المنتظر أن يطلق رئيس الجمهورية حواره الموعود مع “حزب الله” حول السلاح، انطلقت في شكل علني وفجّ حملة مضادة، تتميز بتهديدات مبطنة تطال مرجعيات ومسؤولين وأقطاباً سياسيين، بهدف إسكاتهم وإبعاد ملف السلاح من التداول.
ويتحدث البعض عن “غرفة عمليات” متكاملة تحركت، أو عادت إلى العمل، وهي تستهدف بشكل حثيث رئيس الحكومة نواف سلام والوزراء والنواب المعروفين بمواقفهم الداعية إلى حصر السلاح بيد الدولة. واللافت هو دخول الرئيس نبيه بري في الحملة علناً، في وجه سلام.
المعلومات تشير إلى أن الفريق الممسك بالسلاح يستعد لاستخدام ورقة “التهديد الأكبر” أي إسقاط الحكومة إذا استطاع ذلك، أو تعطيل عملها. وقد جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بمثابة رسالة مفادها أن حلفاء طهران قادرون على استعادة ما خسروه من نفوذ في الداخل اللبناني.
للإيضاح، ربما لا يمتلك “الثنائي الشيعي” وحلفاؤه “الثلث المعطل” في مجلس الوزراء، أي أنهم لا يستطيعون استخدام “الفيتو” لمنع صدور قرارات لا تروق لهم، أو حتى إسقاط الحكومة التي أصر الرئيس سلام عند التأليف على أن تكون تركيبتها محصنة ضد الإسقاط. لكن الوزراء الشيعة يمكن أن ينسحبوا منها جميعاً دفعة واحدة، وهذا ما يتيح لـ”الثنائي” أن يطعن بميثاقيتها، علماً أن الحكومة الحالية، التي جاءت ولادتها عسيرة بعد فترة طويلة من الجمود السياسي، تسير على خيط رفيع من التوافقات الهشة، ويمكن لأي ضغط حقيقي من جانب القوى الشيعية أن يؤدي إلى تعطيلها.
وفي أي حال، وبمعزل عن لعبة الأرقام والأثلاث والميثاقية، يتحكم “الثنائي” بوزارات سيادية وحساسة. فتعطيل المالية وحده، مثلاً، كفيل بشل عمل الحكومة. وفي الحد الأدنى، إن إثارة قضايا خلافية جانبية بشكل مستمر (كالعراقيل التي تعترض نزع السلاح الفلسطيني ورفع أسعار المحروقات وسوى ذلك…) يمكن أن يصيب الحكومة بالتعثر ويشكل إلهاء لها عن تنفيذ المهام التي وضعتها في الواجهة، وفي مقدمها ملف سلاح “الحزب”. كما يمكن لـ”الثنائي” أن يمارس ضغطاً داخل المجلس النيابي، من خلال نوابه أو أولئك الذين يدورون في فلكه، المكشوفين منهم والمستترين. وهو اعتاد أن يحرك الشارع في مناطق نفوذه تحت عناوين مختلفة، فيشتت الانتباه عن ملف السلاح.
وفي الواقع، تحت وطأة الخوف من خوض مواجهة مكلفة مع “الحزب”، يواصل أركان الحكم دورانهم حول ملف السلاح لكنهم لا يدخلون فيه. فرئيس الجمهورية يعلن أن القرار المحسوم هو حصر السلاح في يد الدولة، وهو يعد بحوار مضمون النتائج مع “الحزب”. ولكن، واقعياً، يبدو “الحزب” قادراً على تطيير الحوار بخلق مسائل جانبية، قد تبدأ ولا تنتهي حتى نهاية العهد. وأما رئيس الحكومة، فيتعاطى معه “الحزب” بأسلوب صياد السمك، إذ يرخي الخيط معلناً الاحتفاظ ببقايا “الوِدّ” معه، ثم يشدّه مهدداً بالويل والثبور. ويطمح “الحزب” عملياً إلى “تطويع” سلام في النادي التقليدي لرؤساء الحكومات السابقين، حيث يسود منطق التعايش مع السلاح والأمر الواقع. ويراهن “الحزب” على أن تواصله مع بري وزيارته لعين التينة ستساهم في إدخاله في الجو. وفي الموازاة، يتعرض الوزراء “السياديون” لحملة مدروسة لعل حماسهم في موضوع السلاح يتراجع.
إذاً، مشكلة البلد تبقى هي نفسها. فهناك فريق يخطط للاحتفاظ بالسلاح والنفوذ وينفذ، فيما القوى المطالبة بحصر السلاح في يد الدولة لا تفعل شيئاً سوى انتظار “ظروف ما” تسمح بفتح “حوار ما”، “يوماً ما”. وفي النتيجة، لن ينطلق الحوار تحت وطأة المشكلات المتناسلة قصداً، والتي يراد منها منع أي كان من الحصول على “ترف” المطالبة بنزع السلاح.
وإذا استمر هذا الاتجاه، فإن نهوض الدولة الموعود لن يتحقق وستُجمَّد خطط الإنقاذ وتزداد عزلة لبنان الدولية، فيما حكومات الشرق الأوسط وأنظمته كلها تسرع خطى الانفتاح على العرب والعالم، وتكتسب المزيد من الثقة، وفي مقدمها سوريا. ففيما قيادتها ترفع رصيدها العربي والدولي، يُخشى أن يلجأ المجتمع الدولي إلى رفع مستوى الضغط مجدداً على لبنان، ويفرض عليه عقوبات إضافية، على خلفية تجاهله خصوصاً حصرية السلاح والإصلاحات.
في لحظة معينة من العام 2005، تقاطعت معطيات كان يمكن أن تعيد بناء الدولة، لكن الفريق الممسك بالسلاح فرض موقعه بالقوة حينذاك. واليوم، بعد 20 عاماً، هناك تقاطعات أخرى تسمح ببناء الدولة. فهل مسموح أن تضيع أيضاً؟ وإذا ضاعت، فأي فرصة جديدة يمكن انتظارها، ومتى تتحقق؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() “الحزب” يحاول جدياً ترتيب مواقعه | ![]() أورتاغوس تُوجِّه الإنذار الأخير في مسألة السلاح… وتؤكد: لبنان لا يحتاج لصندوق النقد | ![]() لبنان آخِرُ مَن يوقِّع… وآخِرُ مَن يَعلَم! |