“نفق شكّا”: فخّ قاتل يهدّد الأرواح… والدولة تتفرّج!

نفق شكا ليس مجرّد إهمال موضعي، بل هو انعكاس صارخ لعقلية الإنكار والتقصير التي تطغى على أداء الدولة في شتّى الملفات. عندما تصبح سلامة الناس مسألةً هامشيةً، ويُترَك طريق حيوي بهذا الحجم في حالةٍ يرثى لها، فهذا يعني أنّنا أمام أزمة حُكْمٍ لا أزمة بنى تحتية فقط.
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
في بلدٍ تتراكم فيه الأزمات من الكهرباء إلى النفايات، يبرز “نفق شكّا” كنموذجٍ حيّ على انهيار البنى التحتية، وغياب أبسط مقومات السلامة العامة.
هذا النفق، الذي يُفترض أن يكون شريانًا حيويًا بين شمال لبنان وجنوبه، أصبح فخًّا قاتلًا بفعل الإهمال المزمن، فيما تستمرّ الدولة في تجاهل التحذيرات على الرّغم من وقوع حوادث متكرّرة وسقوط ضحايا.
منذ أكثر من عام، يعاني نفق شكا من انعدام الإنارة الداخلية، وتعطّل أنظمة التهوية بشكلٍ كاملٍ، ما يهدّد حياة السائقين بخطر الاختناق، إضافة إلى ضعف الرؤية وازدياد احتمال الاصطدام. جدران النفق متّسخة، “العواكس” مغطّاة بطبقات من الغبار، والإصلاحات مغيّبة، وكأن حياة الناس لا تستحق الصيانة.
الحوادث داخل النفق لم تعد استثناء، بل باتت واقعًا متكرّرًا. فقد شهد النفق في الأشهر الماضية عددًا من الحوادث المُميتة، كان يمكن تفاديها لو قامت الجهات المعنية بدورها. لكن كالعادة، لا آذان صاغية، ولا مُساءلة، بل المزيد من التجاهل، وسط غياب تام لأي صيانة دورية أو طارئة.
صرخة “إليازا”… هل من يسمع؟
جمعية “إليازا”، الناشطة في مجال السلامة المرورية، أطلقت مؤخرًا نداءً عاجلًا، داعيةً إلى تحرّك فوري لصيانة النفق وتأهيله. رئيس الجمعية، زياد عقل، حذّر من “كارثةٍ إن لم يتم التدخل العاجل”، مشيرًا إلى أنّ الوضع في النّفق “غير مقبول إطلاقًا، ويهدّد حياة آلاف المستخدمين”.
ويعرب عقل لموقع “هنا لبنان” عن “قلقه البالغ إزاء الوضع المأساوي والمتدهور في نفق شكا، مشيرًا إلى أنه يعاني من إهمالٍ مستمرٍّ منذ أكثر من عام، ما يجعله مصيدةً حقيقيةً تهدّد حياة المواطنين يوميًا”.
ويقول عقل: “من غير المقبول أن يبقى هذا النفق الحيوي بلا إنارة داخلية، وبأنظمة تهويةٍ متوقّفةٍ بالكامل، في وقتٍ يشهد فيه لبنان تكرارًا مرعبًا للحوادث المرورية”.
ويشير إلى أنّ “غياب التهوية يزيد من خطر الاختناق، خصوصًا خلال فترات الزحمة، فيما يؤدي انعدام الإضاءة إلى ضعف الرؤية وزيادة احتمالات وقوع التصادمات”.
ويضيف: “العواكس الضوئية أصبحت مغطاة بالغبار، وفقدت فعاليتها بالكامل، أما جدران النفق فهي متّسخة وتحتاج إلى تنظيف وتأهيل شامل. هذا الإهمال ينعكس بشكلٍ مباشرٍ على سلامة آلاف المواطنين يوميًا”.
ويتابع عقل: “لقد سُجلت عدّة حوادث دامية داخل النفق، أدّت إلى وقوع وفيات وجرحى، لكن على الرَّغم من ذلك لم نشهد حتّى اليوم أي تحرّك فعلي لمعالجة الوضع الكارثي”.
ويناشد عقل “نوّاب المنطقة، ووزير الأشغال العامة والنقل، ووزير الطاقة، التحرّك فورًا لصيانة النفق وتأهيله بما يضمن سلامة مستخدميه”.
ويختم حديثه بالتشديد على أن “السلامة المرورية مسؤولية وطنية مشتركة، وعلينا جميعًا أن نتحرك قبل أن نخسر المزيد من الأرواح”.
إن ما يشهده نفق شكا ليس مجرد إهمال موضعي، بل هو انعكاس صارخ لعقلية الإنكار والتقصير التي تطغى على أداء الدولة في شتّى الملفات. عندما تصبح سلامة الناس مسألةً هامشيةً، ويُترك طريق حيوي بهذا الحجم في حالةٍ يرثى لها، فهذا يعني أنّنا أمام أزمة حكم لا أزمة بنى تحتية فقط.
النداءات التي أطلقتها جمعية “إليازا” ورئيسها زياد عقل تعبّر عن وجع كل مواطن يمر من هذا النفق يوميًا ويشعر بالخطر يحيط به من كلّ زاوية. والمطلوب اليوم ليس فقط صيانة النفق، بل محاسبة كل مَن تقاعس، ووضع خطةٍ شاملةٍ تضمن ألّا يتحوّل أي طريق في لبنان إلى مقبرة مفتوحة.
فهل تتحرّك الدولة قبل أن تُضاف أسماء جديدة إلى سجلّ الضحايا؟ أم سنبقى نعدّ الجثث ونكتفي ببيانات التعزية؟.