الاعتداءات على “اليونيفيل” تتوالى… رسائل داخلية للخارج ومخاوف من ردّ الفعل!

أيّ قرار نهائي فيما خصّ القوات الدولية جنوب لبنان لم يُتخذ بعد في الإدارة الأميركية، والأمور رهن الجولة الاستكشافية التي سيقوم بها وفد عسكري أميركي في الأسابيع المقبلة إلى الجنوب، لمعاينة الواقع على الأرض وتقديم تقرير مفصّل حول مدى أهمية هذه القوى جنوب لبنان ومدى قدرة الجيش على الحلول مكانها وبسط سيطرته على كامل منطقة جنوب الليطاني.
كتبت إليونور إسطفان لـ”هنا لبنان”:
يُخطئ جدًا من يعتبر أن الاعتداءات المتكررة على القوات الدولية العاملة جنوب لبنان “اليونيفيل” هي اعتداءات عابرة أو ابنة لحظتها، أو هي تعبير صريح من “أهالٍ” يرفضون بشكل قاطع دخول هذه القوات إلى أراضيهم من دون مرافقة الجيش اللبناني، فما يجري على أرض الجنوب منذ مدة ليست بطويلةٍ هو تنظيم مُفبرك ومحسوب الخطوات، على بعد أشهر قليلة من موعد التجديد لهذه القوات.
ففي آب من العام الجاري، من المتوقع أن ينعقد مجلس الأمن لبحث تطبيق القرار 1701 الصادر عنه، وللتصويت على إمكانيّة التجديد للقوات الدولية العاملة جنوب لبنان، بموجب هذا القرار، على وقع تسريب معلوماتٍ عن الإدارة الأميركية، برغبتها في استخدام حق النقض “الفيتو” لهذا القرار، ما يعني عمليًا إنهاء عمل هذه القوات جنوب لبنان. ولكن ما هي أسباب هذا الهجوم في هذا التوقيت بالذات على القوات الدولية؟ وما هو البديل عنها جنوبًا على وقع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الحدود وتمركزها في النقاط الخمس حتى الآن؟
تشير مصادر سياسية متابعة عبر “هنا لبنان” إلى أنّ عدم رغبة واشنطن في التمديد للقوات الدولية العاملة جنوب لبنان، يأتي من فكرة أساسية هي أن مهمّة هذه القوة انتهت مع تفكيك كامل بنية حزب الله العسكرية جنوب لبنان، وعليه فإنّ عدم القدرة على توسيع مهامّها لتشمل شمال الليطاني ولا حتّى تحت الفصل السابع يجعل من هذه القوة فريقًا “لا نفع له على الأرض”. وعليه، تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى التقليص من دور اليونيفيل والعمل على توسيع صلاحيات لجنة المراقبة، التي تعمل بدورها على تفعيل قدرات الجيش اللبناني لبسط سيطرته على جميع البنى التحتية التابعة لحزب الله سواء جنوب الليطاني أو شماله، وبالتالي فإن تعزيز صلاحيات هذه اللجنة سيساعد على تفكيك بنية الحزب على كامل الأراضي اللبنانية.
ولكن هل هذا الأمر قد يخلق نوعًا من الصدام بين الجيش وبيئة حزب الله؟ لا تنفي المصادر هذا الأمر، إلّا أنّه لن يكون بالحدّية التي تحصل مع القوات الدولية، خصوصًا أن الجيش يحظى بغطاء شعبي وسياسي، وبالتّالي فإنّ الحزب سيحسب ألف حساب قبل أن يُقدم على مواجهة الجيش أو منعه من الدخول إلى منطقةٍ ما. وهذا الأمر لم يحصل في الجنوب، عندما قام الجيش بتفكيك أكثر من 500 منشأة تابعة للحزب، وبالتّالي فإنّ الأمور متروكة للحوار الذي تجريه الدولة مع الحزب لإيجاد خريطة طريق أو استراتيجية ملائمة لتسليم السلاح، “على الرَّغم من عدم وجود اقتناعٍ تامّ لدى الرأي العام بجدوى هذا الحوار”، على ما تقول المصادر.
هذا على المقلب الدولي. أمّا على المقلب اللبناني فالوضع مختلف إلى حدٍّ ما، فحزب الله الذي يضع الأهالي، ككلّ مرة، في مواجهة اليونيفيل، يريد أن يوصل رسالةً أنه لا يزال يملك الأرض جنوب الليطاني، إلّا أنّه بات اليوم “مَزروكًا” في موضوع مخازن الأسلحة ومواقعه العسكرية. وهو اعتمد الأسلوب نفسه في العام 2006، إلّا أنّ وضعه اليوم بعد خسارته المدوّية للحرب مع إسرائيل تجعل منه مأزومًا يبحث عن مخرج لإعادة تثبيت وضعه ضمن بيئته المحبطة، والتي بات موضوع السلاح عائقًا دوليًا عليها، يحرمها من إعادة الإعمار وتعويض ما تهدم.
واعتبرت المصادر أنّ هجوم حزب الله على القوات الدولية في هذا التوقيت بالذات ودفعه باتجاه منع التجديد لها، قد يكون له العديد من التداعيات السلبية على الداخل اللبناني قد يكون الحزب غير مدركٍ لها، خصوصًا إذا ما قرر مجلس الأمن توسيع صلاحيات اليونيفيل لمنحها حرية حركة أكبر في التحرّك على كامل الأراضي اللبنانية وعدم حصر مهامّها جنوب الليطاني، أو العمل على توسيع صلاحيات اللجنة الدولية أو خلق أزمات مع الدول المشاركة ضمن هذه القوات والتي قد تدفع الدولة لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة لحماية هذه القوات، كما قد يصل الأمر إلى فرض قيود أو عقوبات على لبنان من قبل الأمم المتحدة، خاصةً إذا اعتبرت أن الحكومة اللبنانية غير قادرة على ضبط الوضع أو حماية القوات الدولية.
وعليه، لا بدّ من التأكيد أنّ أيّ قرار نهائي فيما خصّ القوات الدولية جنوب لبنان لم يُتخذ بعد في الإدارة الأميركية، والأمور رهن الجولة الاستكشافية التي سيقوم بها وفد عسكري أميركي في الأسابيع المقبلة إلى الجنوب، لمعاينة الواقع على الأرض وتقديم تقرير مفصّل حول مدى أهمية هذه القوى جنوب لبنان ومدى قدرة الجيش على الحلول مكانها وبسط سيطرته على كامل منطقة جنوب الليطاني، وإلى حينها ستستمر الاعتداءات من قبل “الأهالي” على القوات الدولية على أمل ألا تتطور إلى ما لا تُحمد عقباه.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() الفوز المخطوف | ![]() تجار السياسة والدين | ![]() إلى المراهنين على صندوق النقد الدولي |