لبنان جمهورية يحكمها ملوك عدة!

أين المتسبّبين بالمصائب التي أُنزلت بالشعب اللبناني، والتي لم نسمع عن معاقبة مرتكبيها على الرَّغم من عدم قلّتهم، إلى درجةٍ أنّ أخبارهم يتمّ تداولها حتّى في “جلسات أراكيل مقاهي المعسل” التي تحتلّ أرصفة الأحياء الشعبية وتتعدّى على حقوق المشاة من أيتام الدولة الذين تصدمهم الدراجات الآلية على الأرصفة؟
كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:
لبنان تحت المجهر الدولي – العربي لقياس مواقفه من خمس تحدّيات يتقرّر في ضوء نتائجها ما إذا كان سيصنّف ضمن دول القانون أم يُعتبر ملحقًا ببلدانٍ تُديرها منظومات محاصَصَة عائدات الفساد بأنواعها كافة.
ليس من المبالغة في شيء القول إنّ مستقبل لبنان يعتمد على موقفه من:
الاعتداء بالضرب على جنود قوة اليونيفيل في الجنوب، الاعتداء بالضرب على الداعية الشيعي المعتدل ياسر عودة في ضاحية بيروت الجنوبية، الاعتداء على مرضى السرطان وقتل عددٍ غير محدّدٍ منهم بأدوية مزورة، فشل السلطة الحاكمة في نزع – أو حتى في جدولة نزع – سلاح حزب الله، علمًا أن عدم نزع سلاح الميليشيات يفتح الباب واسعًا أمام الطعن في جدوى الدعوة للانتخابات النيابية بعد أقلّ من سنة لأن وجود مرشح مسلح، أكان حزب الله أو غيره، يقضي على فرص المعارضة في الترشّح وتنظيم حملات انتخابية من دون التعرّض لاضطهاد يستهدف المُنظّمين والمرشّحين والنّاخبين. سوابقه الدموية، التي يمكن أن تتكرّر، تجلّت عندما استهدفت موجة تفجيرات اغتيال نواب “حركة 14 آذار” بدءًا بالرئيس الشهيد رفيق الحريري والوزير السابق باسل فليحان في 14 شباط العام 2005، وتبعهما الصحافي سمير قصير في 2 حزيران، والأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي جورج حاوي في 21 حزيران، واختتم العام 2005 باغتيال النائب – الصحافي جبران تويني في 12 كانون الأول.
وبعد “استراحةٍ” لمدّة سنة، وتحديدًا في 21 تشرين الثاني عام 2006، نُفّذ “الاغتيال الوحيد رميًا بالرصاص” مستهدفًا وزير الصناعة ومُطلق نهضة حزب الكتائب اللبنانية بيار أمين الجميل.
ثم عادت موجة الاغتيالات تفجيرًا في 13 حزيران عام 2007 مستهدفةً النائب وليد عيدو ونجله خالد… وكرّت سُبحة عمليات القتل التي ما كانت لتتوقّف لولا انهماك المتّهمين بتنفيذها بالهروب من الاغتيالات “البيجرية والصاروخية” التي تُلاحق بها إسرائيل قيادات حزب الله ومحور المساندة المتحالف معه.
يقول دبلوماسي غير عربي معتمد لدى لبنان إنّ دولته المشاركة في اليونيفيل تتلقّى اتصالاتٍ من مشاركين آخرين لتبادُل المعلومات حول “تعدّياتٍ جسديةٍ تتعرّض لها كتائبهم أثناء محاولتها تنفيذ مهامّ في قرى محددة”.
“”States volunteering troops to UNIFIL exchange information about physical assaults targeting their contingents while trying to carry out assignments in certain villages”, said the diplomat.
واعتبر الدبلوماسي أنّ “هذه الاعتداءات (الخروقات) المُقلقة يمكن أن تتصاعد وتتحوّل إلى اشتباكاتٍ ما يمكن أن يدفع بعض الدول إلى وقف مشاركتها في اليونيفيل لتفادي الخلاف مع شعبها إذا أصيب أحد الجنود”.
“”Such alarming assaults could escalate to clashes which could lead some states to end their participation in UNIFIL to avoid disagreement with their citizens in case a soldier got hit”, he added.
قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (اليونيفيل) أنشئت بموجب القرارين الأمميين 425 و426 في شهر آذار عام 1978 وتُجدَّد مهمتها سنويًا بتصويتٍ يتم كل شهر آب في مجلس الأمن الدولي، لكنّ ذلك لا يحول دون تعليق الدول مشاركتها إفراديًا وسحب كتائبها قبل انتهاء ولايتها، كما حصل مع الكتيبة الإيرانية الني سحبتها القيادة الخمينية بعد انتصار ثورتها على الشاه محمد رضا بهلوي عام 1979.
اليونيفيل، منذ تواجدها عام 1978، تنفّذ دورياتها بمواكبة الجيش اللبناني، لكن في أوائل العام 2022 برزت بين بعض أعضاء مجلس الأمن الدولي والدول المشاركة في اليونيفيل، من جهة، أزمة ثقة ببعض ضباط الجيش اللبناني تضمّنت مزاعم بتسريبهم معلومات لحزب الله عن المهامّ المطلوبة من القوة الدولية ما يفشلها، وبدأ الحديث عن المطالبة بحرية حركة القوة الدولية. لذلك، صدر قرار تجديد التفويض في شهر آب عام 2022 الذي تضمّن نصًّا صريحًا يخوّل اليونيفيل “أن تتجوّل وتنفّذ مهامها بشكلٍ مستقلٍ من دون إذن مسبق أو مرافقة”، وهو ما أثار انتقادات حزب الله والسلطة اللبنانية التي كانت تدار في ذلك الوقت من قبل تحالف إيران – الأسد الذي انهار في كانون الأول عام 2024.
حاولت المنظومة اللبنانية الحاكمة في تجديد العام 2023 استعادة تقييد حركة اليونيفيل لكنّها فشلت.
وتبنّى مجلس الأمن الدولي في 31 آب 2023 القرار 2695، الذي أكد، وِفق النصّ الوارد على موقع اليونيفيل، تفويض القوة الدولية “إجراء عمليّاتها بشكلٍ مستقلٍ مع الاستمرار في التنسيق مع الحكومة اللبنانية في ما يتعلق بالسيادة اللبنانية”. وبقيت اليونيفيل غير مرتبطة بتنفيذ مهامها الميدانية بمشاركة الجيش اللبناني.
وكان قرار حرية الحركة لليونيفيل في آب 2022 قد أثار انزعاج أوساط التحالف الإيراني – الأسدي وبعد مرور أقل من أربعة أشهر على صدوره، كمنت مجموعة مسلّحة في 14 كانون الأول العام 2022 لآلية “منفردة” لليونيفيل في بلدة العاقبية بجنوب لبنان وقتلت الجندي الإيرلندي شون روني وأصابت ثلاثة من رفاقه بجروح.
ووُجه القرار الاتهامي لخمسة عناصر ينتمون إلى حزب الله تهمة بـ”تأليف جماعة من الأشرار، وتنفيذ مشروع جرمي واحد”.
وأكد القرار الاتهامي أن أفعال الموقوف محمّد عيّاد والفارين الأربعة من وجه العدالة يعاقب عليها “بالإعدام” وأحالهم إلى المحكمة العسكرية لمقاضاتهم.
وفي خطوةٍ مفاجئةٍ، أفرجت المحكمة العسكرية في تشرين الثاني عام 2023 عن عيّاد، الذي كان حزب الله قد سلّمه، بكفالةٍ مالية بلغت 1.2 مليار ليرة لبنانية لزعم إصابته بالسرطان وحاجته إلى متابعة طبية دائمة وفقًا للتقارير التي قدّمها وكيله القانوني.
المفاجئ هو ليس فقط إطلاق العياد، بل ظهور تقارير الإصابة المزعومة بالسرطان في المحكمة العسكرية ما يطرح السؤال: لماذا لم تُقدَّم تقارير الإصابة المزعومة لقاضي التحقيق الذي كان يمكن أن يحيله للمحاكمة حرًّا إذا اقتنع بإصابته؟!
في كلّ الأحوال السؤال الآن هو ليس أين العياد؟ بل هل شفي أم تردّى وضعه، وهل ما زال على قيد الحياة أو “استشهد”؟ كما العنصر في حزب الله مصطفى حسن مقدّم المتهم بقتل النقيب الطيّار سامر حنّا في 28 أيار 2008 والذي سلّمه حزب الله، وأفرجت عنه المحكمة العسكرية في أيلول 2009 ليحاكم حرًّا وبقي يتناوب الغياب عن الجلسات هو ومحاميه إلى أن أعلن حزب الله “استشهاده” في “التصدّي لمرتزقة الكفر في جرود عرسال”. لكن لم يرد كتاب من دوائر النفوس إلى المحكمة العسكرية يُثبت وفاته لشطب التهمة وإقفال القضية.
– فأين عياد؟!
السؤال لا يقتصر على مصير عياد، بل أيضًا:
– أين المعتدين بالضرب على اليونيفيل في الجنوب؟
– أين المعتدي بالضرب على الشيخ ياسر عودة؟
– أين قتلة مرضى السرطان بالأدوية المزورة؟
– أين المسؤول عن عدم جدولة نزع أسلحة الميليشيات لتمكين الجيش اللبناني من ممارسة سلطته وسيادة دولته… على الاراضي اللبنانية كافة لا على اليونيفيل فقط؟؟
– أين المتسبّبين بما سبق من مصائب أُنزلت بالشعب اللبناني، والتي لم نسمع عن معاقبة مرتكبيها على الرَّغم من عدم قلّتهم، إلى درجةٍ أن أخبارهم يتمّ تداولها حتّى في “جلسات أراكيل مقاهي المعسل” التي تحتل أرصفة الأحياء الشعبية وتتعدّى على حقوق المشاة من أيتام الدولة الذين تصدمهم الدراجات الآلية على الأرصفة.
– وما هو المصير المتوقع للانتخابات النيابية في العام المقبل؟؟
– هل ستجري الانتخابات بوجود ميليشيات مسلحة ما يضرب جدواها، ومصداقيتها، وقانونيتها وما يحرم لبنان من المساعدات الدولية لتنفيذ ورشة الإعمار المشروطة بنزع سلاح الميليشيات أولًا؟
الدبلوماسي غير العربي المُعتمد لدى لبنان سألني: “هل سأجد نفسي معتمدًا لدى جمهورية يحكمها أكثر من ملك واحد؟”
“Would I find myself accredited to a republic ruled by more than a KING?”, asked the diplomat.
هو لم يبتسم… وأنا لم أضحك وأجبته بالإنكليزية:
“We had tried that several times since independence in 1943. It never worked”
قلت له: “لقد جربنا ذلك (جمهورية أكثر من ملك) مرات عدّة منذ الاستقلال عام 1943 ولم تنجح إطلاقاً”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() لا إعمار إلا بعد ضمان عدم تكرار الدمار | ![]() لبنان بين ثلاثة “س”! | ![]() لبنان بين الإنقاذ المؤجّل والإصلاح الموعود |