“الدلع اللبناني السمج” يُتيح دورًا لسوريا!


خاص 12 حزيران, 2025

يقف لبنان اليوم عند مفترق طرق خطير. فالعقوبات تشتدّ عليه فيما تُرفع عن سوريا. وإذا لم يعرف كيف يكسر الحلقة الجهنّمية التي يدور فيها إلى ما لا نهاية، فليس مستبعدًا أن يُعيد التاريخ نفسه بشكل مأساة – مهزلة، فتسترجع “سوريا الشرع” أوراقًا خسرتها ذات يوم “سوريا الأسد”.

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

في لحظة تحوّلات دراماتيكية يعاد فيها رسم خرائط النفوذ والتحالفات في الشرق الأوسط، يمضي لبنان وسوريا في اتجاهين متناقضين. هو يمعن في حشر نفسه في زاويةٍ خانقةٍ، وهي تفتح أبوابها التي كانت مقفلة على المنطقة والعالم. وفيما يبدو أحمد الشرع وكأنّه المولود الجديد المدلّل عربيًا وغربيًا، تُقابل محطات الرئيس جوزاف عون العربية ببرود غير معلن. ويلمس العارفون تجميدًا غير معلنٍ رسميًا للمساعدات التي يعوّل عليها الحكم في لبنان للإنقاذ، ولا سيما من المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى.

يسمع المسؤولون اللبنانيون كلامًا واضحًا أينما كانوا: شبعنا وعودًا منكم بنزع السلاح والإصلاح. في المقابل، يتقدّم الشّرع في اتجاه العرب والغربيين، ولا يخشى الإعلان عن استعداده للسلام مع إسرائيل، ومواجهة نفوذ إيران. وهذا ما لفت الأميركيين بقوةٍ، حتى أن توم باراك، ممثل إدارة ترامب الخاص في سوريا، بدا حريصًا على حياة الشرع، وحذّر من احتمال تعرّضه للاغتيال، ودعا إلى “تنسيق نظام حماية حوله”.

هذا التحوّل سيفتح أمام سوريا أبواب الدعم العربي والدولي التي بقيت موصدة لعقود.

فدول الخليج، بقيادة السعودية، مهتمّة بتقليص نفوذ إيران، وإذا أثبتت القيادة السورية الجديدة جديتها في هذا المسار، فستكون شريكًا استراتيجيًا يستحق “المكافأة”. قد لا يرى بعض اللبنانيين ضررًا في عودة الدعم العربي والدولي إلى سوريا. ولكن، في الواقع، هناك أثمان قد يدفعها لبنان في المقابل، أوّلها سيكون في ملف النازحين السوريين. فمع توجّه الأنظار نحو “إراحة” سوريا الجديدة وتثبيت أركانها، قد يتمّ تهميش قضية النّازحين بما تشكله من عبء اقتصادي واجتماعي هائل على لبنان.

والأخطر هو أنّ العرب والمجتمع الدولي ربما يسلّمون الشرع بعض أوراق الأزمة اللبنانية ضمن هذه المكافآت. ففي ظلّ الوصاية السورية السابقة التي دامت عقودًا، وخاصةً بعد اتفاق الطائف، مارست سوريا تحت حكم آل الأسد نفوذًا واسعًا وشاملًا على لبنان، واستخدمت لهذه الغاية أوراق ضغط عديدة، من ملف النازحين الفلسطينيين والسوريين إلى الحدود، مرورًا بقضايا الأمن.

ولم يكن نظام الأسد يعترف بلبنان ككيانٍ مستقلٍّ. وعند هذه النقطة يتوقف بعض الباحثين. فالشرع في أدبياته أيضًا لا يعترف بلبنان ككيان مستقل، وينظر إليه كـ”تكوينٍ جغرافي سياسي يعدُّ جزءًا لا يتجزّأ من سوريا ما بعد سايكس – بيكو”. وبناءً على ذلك، ربما يتعامل مع الأزمة اللبنانية كملفّ سوري بامتياز.

ويخشى البعض أن تكون الدول العربية والغربية، بعد سنواتٍ من الحرب والفوضى في سوريا، في صدد منحها فرصًا واسعةً لاستعادة حضورها الإقليمي، ولا شيء يمنع من شمولها بعض جوانب الملف اللبناني. فإذا أثبت الشّرع تعاونه، فقد تنظر إليه القوى النافذة كشريكٍ محتملٍ. وربما يُطلب منه السيطرة على الحدود المشتركة مع لبنان، بما في ذلك قضايا التهريب وتدفّق المسلحين المحسوبين على إيران، ما يمنحه نفوذًا مباشرًا في ترتيبات أمن الحدود. وهذا ما قد يبرّر تفعيل التنسيق الأمني والعسكري بين لبنان وسوريا. طبعًا، لا يمكن أن يتسلّم الشرع إدارة لبنان بالطريقة التي كانت متاحةً للأسد، أي أن تكون له “وصاية شاملة” بالمعنى السابق. لكنه قد يحصل على أوراق نفوذٍ مهمةٍ، من ضمن “المكافآت” التي تقدّمها الدول العربية والغربية. وسيكون نفوذه مرهونًا بمدى التزامه بالوعود التي يقدّمها.

وإذا لم يتمكّن لبنان من إثبات حضوره كدولةٍ قويةٍ، فسيظلّ نقطة الضعف التي يستغلّها النافذون والطامحون. ليس واضحًا حتّى الآن كيف ستكون سوريا بعد اكتمال التسويات في الشرق الأوسط، وتاليًا أي سلطة ستكون لأحمد الشّرع. فالأمر مرهون بما سيفعله الإسرائيليون والأتراك والإيرانيون، وطبعًا الأميركيون في الدرجة الأولى. فما بدا بعد سقوط الأسد أوحى بأن سوريا القديمة سقطت مع نظامها. لكن خلط الأوراق مستمر، ومن الممكن أن يُكتب للشرع دور على مساحة سوريا بكاملها أو بمعظمها، ويُكرّس لها وله دور إقليمي بارز، إذا قدّم خدمات إلى القوى الإقليمية والدولية النافذة.

لذلك، يقف لبنان اليوم عند مفترق طرق خطير. فالعقوبات تشتدّ عليه فيما تُرفع عن سوريا. وإذا لم يعرف كيف يكسر الحلقة الجهنّمية التي يدور فيها إلى ما لا نهاية، فليس مستبعدًا أن يُعيد التاريخ نفسه بشكل مأساة – مهزلة، فتسترجع “سوريا الشرع” أوراقًا خسرتها ذات يوم “سوريا الأسد”، بمباركة العرب والمجتمع الدولي الذي نفد صبره من “الدلع اللبناني السمج”، في زمن الأسد كما في زمن الشّرع.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us