واقع السجون يُنذر بـ “انفجار كبير”… والتراخي الأمني يُحفّز الهروب الجماعي


خاص 14 حزيران, 2025

اكتظاظ السجون سيستمرّ لأن أعداد الناس تزداد، ما يُحتّم الحاجة إلى بناء سجونٍ جديدةٍ تعتمد على معايير دولية تراعي حقوق الإنسان، فالسجين يدفع ثمن الخطأ الذي ارتكبه خلال حريته، ولا يجوز معاقبته مرتين: واحدة على الجرم الذي ارتكبه، وأخرى لأن وضع السجون غير مقبول، فتلك عقوبة مزدوجة.

كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:

تنذر أوضاع السجون في لبنان بكارثةٍ فعليةٍ، يؤجّجها باستمرار المزيد من الاكتظاظ للسجناء داخل الزنزانات، وأوضاعهم السيئة، وطول فترة توقيفهم. منذ عقودٍ مضت، ومحاولات حلّ أزمة السجون المُستعصية تفشل في لبنان، وسط غيابٍ تامٍّ لأبسط معايير حقوق الإنسان المُعتمدة في سجون العالم. ولطالما كانت الأزمات المتعاقبة سببًا في إرجاء المحاكمات، وتعذّر سوْق الموقوفين إلى القضاء، إمّا بسبب نقص في الآليات العسكرية، أو في عديد العناصر الأمنية، أو لعدم توفر الوقود للآليات والمولّدات في قصور العدل، أو لانقطاع في التيار الكهربائي، أو حتّى لنقصٍ في القرطاسية.

يُعتبر النظام القضائي في لبنان بطيئًا أصلًا، فيما السجن، الذي هو مكان لتأهيل الأشخاص الخارجين عن القانون، فلا تتوفّر فيه أبسط معايير تخريج أناس يحترمون القانون. وليس أسوأ من أوضاع السجون سوى النّظارات وأماكن التوقيف المكتظّة، والتي تطول فيها مدة التوقيف الاحتياطي لأشهرٍ، فيما يجب أن تكون بالأساس 24 ساعةً أو 48 ساعةً على الأكثر.

وتجسّد قضية هروب 19 موقوفًا من نظارة فصيلة غزير الأخيرة، وغيرها من عمليات الفرار الناجحة التي حصلت في الأعوام المنصرمة من سجونٍ مختلفةٍ، واقع السجون الكارثي، والتراخي الأمني فيها، بصرف النظر عن الحالة المأساوية التي يعيشها السجناء، وتأخير البتّ بملفاتهم.

اكتظاظ وبطء البتّ بالدعاوى

يوجد في لبنان 19 سجنًا للرجال، أكبرهم سجن رومية المركزي، و4 سجون للنساء، وواحد للأحداث، وواحد للقاصرات. أمّا عدد النزلاء، فهو 6338 بحسب أرقام مديرية السجون في وزارة العدل. ويؤكّد مصدر أمني لـ “هنا لبنان” أن أكبر معاناة في السجون هي “الاكتظاظ الكبير الناتج عن زيادة عدد الموقوفين، والبطء في البتّ بالدعاوى، وإصدار الأحكام، ناهيك عن التراجع في الخدمات الصحية والغذائية والنظافة وأعمال الصيانة، ما يؤدي إلى وفاة 10 سجناء سنويًا على الأقلّ”. ويقرّ المصدر بأنّ “واقع السجون في لبنان كارثي، وما عمليات الاحتجاجات أو الهروب التي نشهدها إلّا خير دليل”. ويضيف: “الظروف الاستثنائية التي مرّ بها لبنان أفرزت حالةً أمنيةً وقضائيةً يشوبها الكثير من الظلم، لناحية طول مدّة التوقيف، والبطء في المحاكمات، فباتت الحاجة ضرورية لإيجاد حلولٍ استثنائيةٍ تخفّف من الاكتظاظ غير المحمول في السجون، وترفع الظلم عن السجناء، قبل أن يحصل الانفجار الكبير”.

نقل الملف إلى وزارة العدل

ويرى وزير الداخلية السابق زياد بارود، في حديث لـ “هنا لبنان”، أنّ المشكلة الأساسية تكمن في نقل ملف السجون من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل، “فقوى الأمن الداخلي هي التي تُدير السجون، وهذا ليس من اختصاصها، هي قادرة على حماية السجون من الخارج، لكن في كل دول العالم المتقدّمة يكون هناك أشخاص متخصّصون في إدارة السجون. وفي لبنان، أزمة السجون مزمنة، ولا يجوز تحميل الوزارة الحالية أو قوى الأمن عبء ومسؤولية أزمة عمرها عقود من الزمن”.

ولفت بارود إلى أنّ “محاولات عدّة جرت لحل الأزمة، لكنها وللأسف باءت بالفشل، مع تغيير الحكومات، وعدم استناد المقاربات لشيء مُستدام. فعلى سبيل المثال، رفعتُ في العام 2009 تقريرًا متكاملًا عن وضع السجون في كل لبنان، تناول ليس فقط مسألة الاكتظاظ، وإنما أيضًا هندسة السجون من الداخل. وهذا ما يبرّر في جزءٍ منه مسألة الفرار، فحتّى هندسيًّا، سجون لبنان لا تحترم المعايير الدولية. لقد أنجزنا وقتها، مع الدكتور عمر نشابة، الخرائط للسجون والنظارات بشكلٍ علميّ، فنحن حتّى لم يكن لدينا خرائط للسجون. حاولنا تحسين قاعات المواجهة، كي يتمكن الأهل عند زيارة أبنائهم من الاختلاء بهم، وعملنا بجهدٍ لتغيير الكثير من الأمور نحو الأفضل، لكن للأسف لم يكن هناك تمويل كافٍ”. ولفت بارود إلى “الاكتظاظ الهائل في السجون، وتحديدًا في سجن رومية المركزي، الذي تم تشييده في ستينيّات القرن الماضي ليستوعب 1060 سجينًا، فيما فاق عدد نزلائه أحيانًا الـ4500 سجين. أمّا حركة الدخول والخروج لهذا السجن، فهي نحو 35000 شخص في العام الواحد، وهذا يعني أنه إمّا لم تكن هناك ضرورة لتوقيف الشخص، أو حاجة لتركه”.

وذكّر أنّه يوم كان الوزير إبراهيم نجار وزيرًا للعدل، “حاولنا، بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات (UNODC)، إنجاز خطة خماسية لنقل السجون من “الداخلية” إلى “العدل”، ليس فقط نقل صلاحية، بل أيضًا إجراءات وإدارة وغيرها، وللأسف لم تكتمل الخطّة”. ودعا بارود إلى إنجاز هذا الموضوع بأقصى سرعة، ليس لأن وزارة الداخلية غير جيدة ووزارة العدل أفضل منها، إنّما لأن التوقيف والحكم يصدران عن القضاء نفسه، ومن الطبيعي أن تتبع السجون للقضاء، وأن تشرف النيابات العامة عليها.

سجون جديدة وفق معايير دولية

ولفت بارود إلى “أن الجريمة قائمة، واكتظاظ السجون سيستمرّ لأن أعداد الناس تزداد، ما يُحتّم الحاجة إلى بناء سجون جديدة تعتمد على معايير دولية تراعي حقوق الإنسان، فالسجين يدفع ثمن الخطأ الذي ارتكبه خلال حريته، ولا يجوز معاقبته مرتين: واحدة على الجرم الذي ارتكبه، وأخرى لأن وضع السجون غير مقبول، فتلك عقوبة مزدوجة”. وأضاف: “النقص في عديد العناصر الأمنية ملحوظ، وهذا معمّم على الكثير من القطاعات، وفي مسألة السجون، يُعتبر العناصر والضباط الذين يخدمون في السجون كأنّهم في عقوبة، لأن الوضع فيها صعب جدًا. السجون من الخارج يجب أن تكون من مسؤولية قوى الأمن الداخلي، ومن الداخل يجب أن تكون لديها إدارة متخصصة”.

للصبر حدود

وجدّد سجناء لبنان مطلبهم برفع الظلم عنهم، مؤكدين أنّ العدالة مريضة، ومسارها يحتاج إلى تصحيح. ويقول “علي.س”، أحد موقوفي سجن رومية المركزي، في اتصال بـ”هنا لبنان”: “إننا سنناضل لنحصل على حقنا كمواطنين، حتى ولو كنا قد أخطأنا. نحن ننتظر الانتهاء من دراسة مشروع قانون العفو العام وإقراره كما وُعدنا، ولا نريد أن نلجأ إلى التصعيد، إنّما للصبر حدود. الوضع داخل السجن لا يُطاق، والاكتظاظ فاق حدّه، فكيف يمكن الاستمرار على هذه الحال في فترة الصيف الحارّة؟”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us