هل من مناورات وخفايا وراء عدم تسليم السلاح الفلسطيني؟

على الدولة اللبنانية أن تفرض سلطتها، وأن تضبط إيقاعها بقوة مع القيادة الفلسطينية، وأن تحدّد مهلةً زمنيةً قريبةً ونهائيةً، لتبرهن أمام المجتمع الدولي، الذي يطالبها بتنفيذ بنود القرارات الدولية، عن أنها قادرة على الضرب بيد من حديد، كي تستحق لقب دولة عن حق، انطلاقًا من نزع سلاح كلّ الفصائل.
كتبت صونيا رزق لـ”هنا لبنان”:
السادس عشر من حزيران الحالي كان موعد بدء تسليم سلاح بعض المخيمات الفلسطينية في العاصمة بيروت، والحدث المنتظر من قبل اللبنانيين، لو لم تخرقه حجّة الحرب الإسرائيلية – الإيرانية، التي تمسّكت بها الفصائل الفلسطينية المعنية بتسليم سلاح مخيماتها، فجاءت على طبق من فضّة، أو كما يقول المثل الشائع “كانت شحمة على فطيرة”، وفي الموعد المطلوب، فيما سبقت تلك الحجّة “تلطيشات” من هنا ومواقف سلبية من هناك لا تُطمئن، وكأنّ كلام الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي زار لبنان منذ أقل من شهر، محاه النهار والليل معًا على الرَّغم من مواقفه الإيجابية في هذا الإطار، إذ كرّر أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في لبنان، وأنّ تسليم سلاح الفصائل ضرورة كي تفرض الدولة اللبنانية هيبتها على كامل أراضيها، وفق ما جاء في البيان المشترك الذي وقّعه مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون.
لكن بعض الفصائل الفلسطينية الموالية لحزب الله وإيران كحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، لم تكترثا لتصريحات عباس، غير آبهتين بما قال، بسبب الشعارات الوهمية التي باتت في الذاكرة المنسية، مع بعض الحلفاء اللبنانيين، الذين تجمعهم المصيبة اليوم وهي عدم الخضوع للدولة وتسليم سلاحهم. لذا عادوا للاستعانة بأطلال “اتفاقية القاهرة” التي ولّت إلى غير رجعة، لكنّ ملائكتها ما زالت حاضرة للدفاع عن السلاح غير الشرعي، مع مبادئ سقطت بالضربة القاضية بعد توالي هزائم الفريق المُمانع، وشعار وحدة الساحات الذي لم يحقق أي بند من بنوده، بل بقيت كلّ ذراع تابعة لإيران ضمنها تغني على ليلاها الحزينة، بعد عقود من زمن الانتصارات البالية.
المسؤولون الفلسطينيون غائبون عن السمع!
إلى ذلك، كان من المفترض أن يبدأ تسليم السلاح يوم أمس الاثنين، من بعض مخيمات العاصمة بيروت، فغابت كل المؤشرات، على الرَّغم من التطمينات التي توالت في البيان اللبناني – الفلسطيني المشترك. من هنا انطلقت الأسئلة لمعرفة ما الذي جرى؟ فكان الجواب من بعض المصادر السياسية لـ”هنا لبنان” بأنّ التأجيل قائم حتى أجلٍ غير مسمّى، نظرًا للأوضاع الأمنية المتدهورة والمرجّحة للتفاقم.
وعلى الخط الفلسطيني، أجرينا اتصالًا بالمسؤول الإعلامي في حركة “حماس” وليد الكيلاني، فكان خطه مقفَلًا، فكرّرنا المحاولة وفهمنا الرسالة، بأنّ إقفال الخطوط الفلسطينية المعنية بتسليم السلاح كان الجواب الواضح: فلا تسليم للسلاح ولا مَن يحزنون، وبالتالي فالصمت أفضل. لتفيدنا مصادر مطّلعة على الملف بأنّ تسليم السلاح ما زال بعيد المدى، بسبب وجود خلافات بين بعض الفصائل الفلسطينية على هذا الملف، والمنقسمة بين مؤيّدٍ لتسليم السلاح وبين معارضٍ للفكرة، مشيرةً إلى عدم وجود جدول زمني للتسليم، بسبب رفض البعض للخطة التي وضعتها اللجنة الفلسطينية – اللبنانية المشتركة، بحجّة الحرب بين إسرائيل وإيران.
فيما الحقيقة أنّ الأجهزة الأمنية اللبنانية أطلقت رسائل إلى مختلف الفصائل الفلسطينية، بعدم تعريض لبنان للأخطار تحت حجّة الحرب القائمة اليوم، أو استخدامه منصّة لإطلاق الصواريخ، في ظلّ توجّه لرفع مستوى الخطاب الرسمي، وفق ما أشار وزير سيادي لموقعنا، مع التشديد على أنّ بقاء أي سلاح خارج إطار الشرعية لم يعد مقبولًا تحت أي ظرف.
مخيمات الجنوب في الواجهة
وعلى خط الزيارات الفلسطينية إلى بيروت، أُفيد بأنّ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد سيزور لبنان قريبًا على رأس وفد، لمتابعة البحث في آلية تسليم السلاح الفلسطيني، بسبب تفاقم العقبات، خصوصًا التقنية منها، وبأنّ الفصائل الفلسطينية المعنية لم تتلقَّ أي تعليمات في هذا الإطار من القيادة الفلسطينية في رام الله.
فيما أشارت معلومات “هنا لبنان” إلى أنّ بدء تسليم السلاح يُفترض أن يبدأ من مخيمات الجنوب، وتحديدًا من مخيم البصّ، ومن ثمّ الرشيدية والبرج الشمالي، مع تنفيذه على مراحل عدّة، ومن دون تحديد المهل، بالتزامن مع غياب لوائح السلاح والمواقع والتنسيق مع الجانب اللبناني، ما يطرح أسئلةً حول مدى جدّية تنفيذ هذا الملف الشائك، المُسيطر على لبنان منذ عقود زمنية، من دون أي حلّ نهائي له؟!
عين الحلوة خارج السياق!
وعُلم أيضًا أنّ بعض الوزراء السياديين أبدوا امتعاضهم، بعد إعلان رئيس الحكومة نواف سلام خلال جلسة مجلس الوزراء يوم أمس، بأنّ لبنان لم يحدّد أي موعد رسمي لتسليم السلاح، وطالبوا بكشف الوقائع، بسبب ظهور مناورات ونوايا خفية من بعض الفصائل الفلسطينية التي توضع في خانة أذرع إيران، والتي استعانت بالصراعات الداخلية مع اقتراب الموعد المحدّد للتسليم، فعملت على توسيع الانقسامات بين الفصائل كسبب لعدم تنفيذ المطلوب منها، خصوصًا حركة حماس التي تملك السلاح بنسبٍ كبيرةٍ جدًّا في مخيمات الجنوب، خصوصًا في عين الحلوة الخارج الأكبر عن قانون الدولة اللبنانية، والذي يشكّل المهمة الأصعب، بسبب ما يحتوي من مطلوبين وخارجين عن القانون وجماعات متشدّدة، ما وضعه خارج السياق، وحتى أمدٍ بعيدٍ جدًّا وفق المعطيات.
ضبط الإيقاع اللبناني مطلوب بقوة مع الفصائل الفلسطينية
في هذا السياق، ستعقد أيضًا لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني اجتماعًا قريبًا، لاتخاذ الموقف المناسب من إخلال الفصائل الفلسطينية بالاتفاق. مع إشارة المصادر المطلعة على ما يجري إلى أنّ الاجتماع سيكون كسابقيه، ولن يؤدّي إلى أي نتيجة، ما يُطلق المخاوف من حصول ما لا يُحمد عقباه في حال طالت مدّة عدم تنفيذ الاتفاق، لأنّ كيْل اللبنانيين قد طفح من كل هذه التصرفات والحجج الواهية التي لا تنطلي على أحد.
وعلى الدولة اللبنانية أن تفرض سلطتها، وأن تضبط إيقاعها بقوة مع القيادة الفلسطينية، وأن تحدّد مهلةً زمنيةً قريبةً ونهائيةً، لتبرهن أمام المجتمع الدولي، الذي يطالبها بتنفيذ بنود القرارات الدولية، عن أنها قادرة على الضرب بيد من حديد، كي تستحق لقب دولة عن حق، انطلاقًا من نزع سلاح تلك الفصائل، وفي مقدمها حماس وفتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجهاد الإسلامي، وعصبة الأنصار، وجند الشام، وعصبة النور.
فهذه الفصائل تتوزّع بين أكثر من 12 مخيمًا، الأكثرية منها خارج السلطة اللبنانية. فإلى متى؟ سؤال ما زلنا نكرّره منذ عقود وعقود، في انتظار تحقيق الدولة التي نحلم بها… دولة السيادة، والقانون، والحاكمة بأمرها.