الإشعاع الصامت… والكارثة القادمة؟

لا بد من تحرّك دولي سريع، يشمل وقفَ استهداف المنشآت النووية، وتمكين بعثات التفتيش الدولية، وإطلاق نظام إنذار مبكّر إقليمي، وتطوير خطط طوارئ صحّية وبيئيّة للدول المجاورة.
كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:
في خضمّ التصعيد الحادّ بين إسرائيل وإيران، يتجاوز الخطر حدود الصواريخ والطائرات المسيّرة ليهدّد حياة ملايين البشر من خلال شبحٍ غير مرئي: الإشعاعات النووية. فمع استهداف منشآت نووية إيرانية حساسة مثل “نطنز” و”فوردو”، لم يَعُدْ الحديث يدور حول أمنٍ إقليميّ فقط، بل عن احتمال وقوع كارثة بيئية وصحية ذات أبعاد دولية.
الضربات الإسرائيلية، التي وُصفت بالأعمق منذ سنوات، دفعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى التحذير من احتمال حدوث تسرّب إشعاعي داخلي، على الرَّغم من نفي إيران حتى الآن وجود خطر فعلي خارج المنشآت. وبحسب الوكالة، فإنّ أحد المواقع “ربّما تعرّض لأضرار غير محدّدة بعد”، فيما أبدت الأمم المتحدة قلقها من تصاعد التوتّر حول البنية التحتية النووية في ظلّ غياب رقابة كاملة.
المخاوف لا تتعلق بانفجار نووي مباشر، بل بإطلاق غازات أو جُسيمات مشعّة مثل اليورانيوم “سداسي الفلورايد”، “السيزيوم-137” أو “السترونتيوم-90” إلى البيئة المحيطة، ما قد يؤدّي إلى عواقب صحيّة تُظهر بعد سنوات. تجارب تشيرنوبيل (1986) وفوكوشيما (2011) تؤكّد أنّ التسرّب الإشعاعي، ولو من دون تفجير، يمكن أن يُخلّف وفيّات بالسرطان، تلفًا في الأنسجة العصبية، تشوّهات خلقية، وتدميرًا واسعًا للتربة والمياه.
وفي حال استُهدفت منشآت مُحصّنة تحت الأرض مثل “فوردو”، فإن اختراقها قد يؤدي إلى إطلاق مواد مشعة عبر أنظمة التهوية أو انهيار البنية الخرسانية، وهو سيناريو حذّرت منه مراكز أبحاث غربية معتبرة. تقرير حديث نشره “Vox” أشار إلى أن “الضربات الوقائية قد تؤدّي إلى نتائج غير قابلة للاحتواء”.
المخاطر لا تتوقّف عند إيران، التيارات الهوائية يمكن أن تنقل الإشعاعات إلى العراق، الخليج، وبلاد الشام، ما يعرّض ملايين السكان للخطر. لبنان، على سبيل المثال، لا يملك حتى اليوم منظومة رصدٍ إشعاعيّ فعالةٍ، ولا مخزونًا استراتيجيًا من أقراص اليود، ولا خطة استجابة وطنية في حال حصول تسرّب عابر للحدود.
الأكثر إثارة للقلق أن القانون الدولي لا يمنع صراحةً استهداف المنشآت النووية في النزاعات التقليدية، ما يشكّل ثغرة قد تدفع أطرافًا أخرى إلى اعتماد النهج ذاته تحت عنوان “الوقاية النووية”. ومع غياب موقف حاسم من مجلس الأمن، تبقى المنشآت النووية مهدّدة بالتدمير، والعالم في موقع المتفرج.
في مواجهة هذا الخطر المتصاعد، لا بد من تحرّك دولي سريع، يشمل وقفَ استهداف المنشآت النووية، وتمكين بعثات التفتيش الدولية، وإطلاق نظام إنذار مبكّر إقليمي، وتطوير خطط طوارئ صحية وبيئية للدول المجاورة.
الإشعاع لا يفرّق بين عدوٍ وحليفٍ، ولا بين دولةٍ قويةٍ وأخرى هشّةٍ. وإذا لم يتحرّك العالم، فإنّ الكارثة لن تطرق الباب… بل ستنفجر بصمت، وبلا دخان. السكوت عن هذا النوع من الخطر ليس حيادًا… بل تواطؤ مع الانهيار القادم.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() ترامب وماسك: صراع النّفوذ على أميركا | ![]() لبنان على طريق التحوّل الرقمي | ![]() اتحاد البلديات في لبنان حجر الزاوية الغائب عن التنمية |