لا تسوية مع إيران


خاص 19 حزيران, 2025

طُلب من الحزب توجيه أتباعه لوقف الاعتداءات على اليونيفيل لأنّها تساهم في إزعاج الدول المُشاركة ويؤدّي إلى سحب كتائبها ما يشجع إسرائيل على شنّ “اجتياح بري بدعم بحري وجوي كثيف لدحر أذرع إيران شمالًا وصولًا إلى نهر الأوّلي” عند المدخل الشمالي لمدينة صيدا وهو ما كانت الدولة العبرية قد أشارت إليه سابقًا.

كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:

عندما احتلّ الحوثيّون صنعاء في 21 آذار 2014، فاخر النائب الإيراني علي رضا زاكاني المقرّب من المرشد الخامنئي بأنّ دولة “الولي الفقيه” صارت تتحكّم بسياسات أربع دول عربية عبر السيطرة على عواصمها هي لبنان، سوريا، العراق، واليمن.

واقعيًّا، سيطرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية على بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء عبر فيْلق القدس بقيادة قاسم سليماني في حينه، مكّنها من التحكّم بسياسات الدول المذكورة لكون السلطات التي تشرّعها وتنفّذها متمركزة في العواصم الأربع.

عمليًا، إيران مسيطرة على القرار السياسي اللبناني منذ 7 أيار 2008 عندما احتلت “الفرقة العسكرية” (3 ألوية) التابعة لفيْلق القدس المعروفة باسم “حزب الله” الشطر الغربي من بيروت حيث مقرّ البرلمان في ساحة النجمة ورئاسة الحكومة في السراي الكبير. كما يتحصّن في منطقة عين التينة عند الطرف الغربي للعاصمة، ضابط إيقاع صنع القرار رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي لم يتغيّر منذ شهر تشرين الأول عام 1992.

وحدها سوريا تحرّرت من المعاناة بسقوط التحالف الإيراني مع نظام الأسد الهارب في 8 كانون الأول الماضي مُنهيًا خمسة عقود من الاستبداد والقتل وجرائم الإخفاء القسري بحق الشعبَيْن السوري واللبناني الشركاء في “وحدة المعاناة”.

تولّى أحمد الشّرع الرئاسة في سوريا حاصدًا تأييدًا عربيًا-أميركيًا-أوروبيًا-دوليًا وبقي لبنان يبحث عن بوصلةٍ ترسم له طريقًا آمنًا إلى مستقبل مزدهر.

لبنان، وعلى الرَّغم من انتخاب عهد رئاسي جديد وتأليف حكومة من خارج موروث الفساد البائد، لم يُعلن بعد عن “خطةٍ مرتبطةٍ بجدول زمني” لتجريد ميليشيا “فيلق القدس” من سلاحها، عملًا بوعد رئيس الجمهورية جوزاف عون في خطاب القسَم المُعبّر عنه بـ”تأكيد حقّ الدولة في احتكار حمل السلاح”، معطوفًا على تمسّك الدولة وحدها بقرار الحرب والسلم ما انعكس “امتعاضًا” لدى دولٍ عربيةٍ وأجنبيةٍ تشدّد على أنّ موضوع حصرية السلاح وهيكلية خطة الإصلاح والإنقاذ وسيادة الدولة غير المنقوصة على كامل التراب اللبناني والمياه الإقليمية والأجواء هي “أساس إلزامي” لتمويل إعادة إعمار ما دمّرته الحرب بين إسرائيل وحزب فيلق القدس منذ الثامن من تشرين الأول عام 2023…

المحطة الأساسيّة التي ترسم مسار لبنان إلى مستقبلٍ جديدٍ يعدّ للمنطقة هي الانتخابات النيابية المنتظرة في أيلول 2026 والتي يبقى مصيرها مهدّدًا إذا لم ينفّذ نزع سلاح الميليشيات، ليس فقط على مستوى إجرائها، بل أيضًا وأساسًا على مستوى الدعوة إليها وتحديد مواعيد تقديم طلبات الترشيح وسحبها وإطلاق الحملات الانتخابية، وكلّ ما هو مرتبط بها من إجراءات.

هذه الإجراءات كلّها يمكن الطعن بها قانونيًا والتشكيك بجدواها إقليميًا ودوليًا إذا لم يكن نزع السلاح غير الشرعي قد أُنجز لإتاحة الفرصة أمام حرّية التنافس، التي لم تكن مؤمّنة في حقبة التحالف الأسدي – الإيراني البائد.

وتبقى مسألة تصحيح مخالفة موصوفة في قانون الانتخابات الحالي متعلقةً باقتراع المغتربين في دوائر مخصّصة لدول اغترابهم، وهو ما كان قد اعتمد خصيصًا في الحقبة البائدة لمنع المُغتربين المسيحيين والسنّة والدروز من الاقتراع ضمن دوائر قيودهم في الوطن ما يهدّد فوز قوى المُمانعة التابعة للتحالف الأسدي – الفارسي البائد.

ما سَلَفَ يُضاف إليه موضوع تصحيح قانون الانتخابات لجهة اعتماد عدد الدوائر الانتخابية الذي كان مدار بحثٍ في مفاوضات اتفاق الطائف والذي اقترح اعتماد الأقضية بديلًا من المحافظات على ألّا يزيد عدد الأقضية – الدوائر عن 35 وأن يتراوح عدد نواب كلّ دائرة ما بين نائبين وأربعة نواب ما يؤمّن صدقية التمثيل.

وعلى “أجندة” الاستحقاقات المُتعثّرة التي لم تجدْ لها السلطة الحاكمة معالجات حتى الآن، يبرز ملف التجديد لقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) في 31 آب المقبل والتي تتعرّض لتجاذباتٍ بين الأفرقاء المحليين والدوليين حيال جدوى وجودها، ودورها، وصلاحياتها.

وفي هذا الصدد، بدا لافتًا أنّ الاعتداءات التي كانت تتعرّض لها دوريات اليونيفيل يوميًا من شعب حزب السلاح الفارسي في بلدات وقرى الجنوب اللبناني قد توقّفت منذ اندلاع القتال المفاجئ بين إسرائيل وإيران الجمعة الماضي.

وأفادت معلومات بأنه طُلب من الحزب توجيه أتباعه لوقف الاعتداءات على اليونيفيل لأنّها تساهم في إزعاج الدول المُشاركة ويؤدّي إلى سحب كتائبها ما يشجع إسرائيل على شنّ “اجتياح بري بدعم بحري وجوي كثيف لدحر أذرع إيران شمالًا وصولًا إلى نهر الأوّلي” عند المدخل الشمالي لمدينة صيدا وهو ما كانت الدولة العبرية قد أشارت إليه سابقًا.

وتزامن وقف اعتداءات شعب الحزب على اليونيفيل مع تعزيز القيادة العسكرية الإسرائيلية لجبهتها الشمالية مع لبنان بفرقةٍ ولواءي احتياط أي قرابة 15 ألف جندي ما يوحي باستعدادٍ لتحرّكٍ هجوميّ، لا مجرّد نشر قوة دفاعية.

ونقل الإعلام الإسرائيلي عن المسؤول السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، جاك نيربا قوله إنّ “تعزيز الجبهة بلواءين ليس خطوةً روتينيةً، بل بمثابة استعدادٍ لسيناريوهات أخطر بكثير”.

تزامن تعزيز القوات الإسرائيلية البرية على الجبهة الشمالية مع نشر طائرات أميركية مقاتلة وطائرات تزويد بالوقود في الشرق الأوسط ما يوحي بالاستعداد لمواجهة.

وقد شاركت المقاتلات الأميركية في التصدّي للمقذوفات الإيرانية الموجّهة إلى إسرائيل لإسقاطها خارج الدولة العبرية البالغة مساحتها 22.145 كيلومترًا مربعًا لأنّ تفجيرها ضمن الأجواء الإسرائيلية سيؤدي إلى سقوط شظاياها على مناطق مأهولة في الدولة الصغيرة والتي تشمل أيضًا تجمعات سكنية فلسطينية سواء في القدس والضفة الغربية كما في الأراضي المحتلة منذ العام 1948 وصولًا إلى الجليل الغربي الذي تنتمي إليه غالبية الفلسطينيين الذين لجأوا إلى لبنان عام 1948.

ويبقى السؤال: ما هي المهمّة التي ستوكل لطائرات التزويد بالوقود الأميركية؟ هل ستهاجم قاذفات “ب-52” أهدافًا في إيران ما يتطلب تزويدها كما تزويد تشكيلات حمايتها بالوقود إذا كانت ستنفذ مهامّا في إيران البالغة مساحتها 1.648.000 (مليون وستمائةٍ وثمانيةٍ وأربعون ألفَ كيلومترٍ مربعٍ)؟

في كلّ الأحوال تبقى حقيقة ثابتة أن المعركة الحالية مع إيران لم تشتعل لتنتهي بتسويةٍ نوويةٍ، بل لتجريد إيران من وقودها النووي بالكامل، ومنع تجديده، وإخراجها “مهزومة” من العواصم العربية الأربع التي فاخرت بالسيطرة عليها قبل 11 سنة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us