بين نار التصعيد وماء المفاوضات… إيران وإسرائيل على حافّة انفجار شامل

الخيار المطروح اليوم أمام إيران، بحسب الحسابات الأميركية والإسرائيلية، ليس إسقاط النظام، بل تطويعه ونزع أنيابه. المطلوب ببساطة، أن تتحوّل إيران إلى دولةٍ بلا أوراق ضغط، تكتفي بحماية أمنها الداخلي من دون التأثير في محيطها.
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
في لحظةٍ إقليميةٍ مشبعةٍ بالتوتّر والانفجار، تقف المنطقة عند حافّة هاويةٍ يصعب التنبّؤ بعمقها. إيران، التي تلقّت الضربة الأولى من إسرائيل، لم تمكث طويلًا في صمت الصدمة، بل عادت سريعًا إلى الميدان، مثبتةً أنّها لا تزال قادرة على الرد.
صواريخها التي وصلت إلى عمق الأراضي الإسرائيلية شكّلت تحوّلًا دراماتيكيًا في ميزان الرّدع، وأجبرت تل أبيب على إعادة النظر في حساباتها، على الرَّغم من تفوّقها الواضح في القوة الجوية والدعم العسكري الغربي.
وسط هذه المعطيات المُتشابكة، تبرز إشكالية جوهرية تطرحها التطوّرات المتلاحقة: هل نحن أمام معركة مفتوحة بلا سقفٍ زمني أو جغرافي؟ أم إنّ النوافذ الدبلوماسية ما زالت قادرةً على احتواء الانفجار قبل أن يتوسّع إلى صراع إقليمي شامل؟.
المحلّل السياسي أمين قمّورية يقدّم قراءته للمشهد عبر موقع “هنا لبنان”، مستندًا إلى التطوّرات الميدانية والمعطيات السياسية المتغيّرة، حيث يشير إلى أنّ “إيران استطاعت تخطّي وقع الضربة الأولى وأعادت تثبيت حضورها العسكري من خلال ضرباتٍ صاروخيةٍ مباشرةٍ نحو العمق الإسرائيلي، وهو ما اعتُبر مفاجئًا لإسرائيل التي لم تكن تتوقّع هذا المستوى من الرد”.
ويوضح قمّورية أنّ “تلك الصواريخ لم تكن مجرّد رد فعل رمزي، بل عنصر مؤثر أدخل تعديلًا فعليًا إلى ميزان الرّدع في المنطقة، إذ أرغمت إسرائيل على الرغم من تفوّقها العسكري على مراجعة استراتيجيّاتها، لا سيما ما يخصّ التوغّل داخل الأراضي الإيرانية. لكن هذا الواقع، بحسب قمّورية، لا يعني أنّ إسرائيل بصدد التراجع. فنتنياهو، الذي يقود الحكومة الإسرائيلية الحالية، يرى في هذا الصراع معركةً مصيريةً لا يمكن وقفها إلّا بتحقيق النصر النهائي”. وهذا التوجّه، وفق التحليل، يفتح الباب على سيناريوهاتٍ تصعيديةٍ، خصوصًا مع سعي إسرائيل إلى جرّ الولايات المتحدة إلى المواجهة، في محاولةٍ لتأمين الدعم اللازم لضرب المنشآت النووية الإيرانية المُحصّنة داخل الجبال وفي عمق الأرض، وهي أهداف يصعب تدميرها من دون تعاون استخباراتي ولوجيستي أميركي مباشر.
هذا التداخل بين الميداني والسياسي يظهر أيضًا في الموقف الأميركي الذي كما يقول قمّورية “يحاول اللعب على حبالٍ متعدّدةٍ: فمن جهة تدعم واشنطن إسرائيل عسكريًا واستخباراتيًا، ومن جهة أخرى تحاول استثمار الضربات الإسرائيلية للضغط على طهران ودفعها إلى التفاوض من موقعٍ أضعف، بما يشبه النموذج الليبي، حينما أُجبر القذافي على تفكيك برنامجه النووي”.
ويضيف: “لكنّ إيران حتى اللحظة ترفض الذهاب إلى طاولة المفاوضات تحت نيران القصف أو وفق شروط تمسّ هيبتها الإقليمية. طهران تُبدي انفتاحًا على الحوار، لكنّها تشترط وقف إطلاق النار كمدخلٍ ضروريّ لأي عملية سياسية تحفظ ماء وجهها”.
وهنا، تنتقل الأزمة من بُعدِها العسكري إلى الداخل الإيراني نفسِه، حيث يشير قمّورية إلى أنّ “الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المُتراكمة قد تتحوّل إلى عاملٍ حاسمٍ في اتخاذ قرارات استراتيجية. فالوضع الداخلي قد يدفع طهران إلى قبول تنازلات لم تكن مطروحةً سابقًا، شرط أن تأتي ضمن تسويةٍ تحفظ مصالحها الأساسية”.
انطلاقًا من ذلك، تتّضح صورة المشهد الإقليمي المعقد، الذي تتداخل فيه المصالح والتحالفات والحسابات العسكرية، وتبقى الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها. ويختم قمّورية حديثه بالقول: “كلّ السيناريوهات لا تزال مطروحة، الوساطات الدولية قد تنجح في فتح باب التفاوض، لكن في المقابل، إذا خرجت الأمور عن السيطرة، فقد تتدحرج المنطقة إلى حربٍ شاملةٍ يصعب احتواؤها”.
وبين المفاوضات وحافّة الانفجار، يقف الشرق الأوسط أمام مفترق طرقٍ خطير. الساعات المقبلة ستكون حاسمةً، والعالم يترقّب ما إذا كانت هذه الجولة من الصراع ستُطوى بتسويةٍ، أم ستفتح الباب لصدامٍ لا رجعة فيه.
ومن زاويةٍ موازيةٍ، يقدّم المحلل السياسي قاسم يوسف قراءته لما يعتبره “أخطر تحوّل استراتيجي في صراع المحاور”، مؤكدًا أنّ ما يجري اليوم يتعدّى كونه تصعيدًا ظرفيًّا، ليبلغ مستوى معركة وجودية بين مشروعَيْن متناقضَيْن.
ويقول يوسف إنّ “المنطقة دخلت مرحلةً جديدةً عنوانها “معركة كسر عظم”، وإنّ ما يجري اليوم من مواجهات مباشرة يختلف جذريًا عن سنوات الحرب بالوكالة التي طبعت العلاقة بين الطرفَيْن لعقود”.
ويتابع: “الحرب التي كانت كامنةً منذ أكثر من عشرين عامًا انفجرت الآن بشكلٍ مباشرٍ، مشيرًا إلى أن هذه المواجهة تحمل أبعادًا سياسيةً وعسكريةً وأمنيةً غير مسبوقةٍ، وستؤسّس لشرق أوسطٍ مختلفٍ عمّا قبله، وفق ما يطمح إليه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو”.
ويضيف: “نتنياهو عبّر بوضوح أنّ هذه المعركة هي بمثابة المحطة الأخيرة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، وهي تهدف إلى كسر المِحور الإيراني بالكامل، سواء من خلال تصفية برنامج إيران النووي، أو عبر تفكيك نفوذها الإقليمي ومحاصرته داخل حدود الجمهورية الإسلامية”.
وعن احتمالات تطوّر المواجهة، يشير يوسف إلى أنّ “الحرب قد تمتدّ لأشهرٍ، لكن من غير المرجّح أن تستمر طويلًا، لأنّ كلا الطرفين لا يتحمّلان كلفة حرب طويلة”.
ويشرح يوسف أنّ “إيران تواجه أزمةً اقتصاديةً خانقةً، والنظام تلقّى ضرباتٍ موجعةً في بنيته الاستراتيجية، ما يقلّل من قدرته على الصمود. في المقابل، فإنّ المجتمع الإسرائيلي بطبيعته لا يحتمل الحروب طويلة الأمد، خاصة في ظلّ الصواريخ التي طالت تل أبيب الكبرى وأثّرت في العمق المدني والنفسي للدولة العبرية”.
ويتوقّع يوسف أن “تتّجه الأمور نحو أحد خيارَيْن: إمّا مضيّ إسرائيل نحو ضرب المنشآت الحيوية والإستراتيجية داخل إيران، وخصوصًا منشآت الغاز والنفط في محاولة للإطاحة بالنظام من الرأس، أو القبول باتفاقٍ قاسٍ تُفرض شروطه على طهران.
وهنا، يطرح سؤال أساسي، كما يقول يوسف: “ما هي طبيعة هذا الاتفاق؟”. ويتابع يوسف: “حتى الآن، تطالب الولايات المتحدة، وتحديدًا الرئيس دونالد ترامب الذي يعدّ من المؤثّرين الأساسيين في الخطاب السياسي، بأن تستسلم إيران بالكامل ومن دون شروط. أمّا نتنياهو، فيشدّد على أن المطلوب ليس فقط وقف التخصيب، بل إقفال الملف النووي نهائيًا ومنع إيران من امتلاك أي قدرات تخصيب، حتّى بنسبة 1%، إلى جانب تفكيك برنامجها الصاروخي، سواء الباليستي أو الفرط صوتي، وإنهاء ملف الطائرات المسيّرة”.
وعن موقف ترامب ونيّته المشاركة بالحرب في حال استمر الصراع الاسرائيلي – الإيراني، يرى يوسف أنّ “الرئيس الأميركي يخوض معركته بطريقته الخاصة، مستخدمًا الخطاب الناري كأداةٍ للضغط والمكاسب السياسية، مشيرًا إلى أنّ ترامب سياسي مزاجي يصعب التنبّؤ بتحرّكاته، فقد يفاجئ الجميع بإرسال قواتٍ ضاربةٍ في لحظة، وقد يكتفي بالكلام. لكنّه يدير الأمر حاليًا بطريقةٍ تجعله حاضرًا في الانتصار وغائبًا عن المسؤولية في حال الإخفاق”.
كما يشير يوسف إلى أن “الولايات المتحدة، على الرَّغم من تردّدها في التورط المباشر، لن تسمح بهزيمة إسرائيل، وفي المقابل، لن تسمح لإيران بالخروج منتصرة. ولهذا، قد تتولّى واشنطن الجانب السياسي لاحقًا، وتجبر طهران على توقيع اتفاق يُنهي فعليًا طموحاتها النووية والصاروخية”.
ويختم يوسف بالإشارة إلى أنّ “الخيار المطروح اليوم أمام إيران، بحسب الحسابات الأميركية والإسرائيلية، ليس إسقاط النظام، بل تطويعه ونزع أنيابه. المطلوب ببساطة، أن تتحوّل إيران إلى دولةٍ بلا أوراق ضغط، تكتفي بحماية أمنها الداخلي من دون التأثير في محيطها. لكن ذلك، برأيه، يبقى مرهونًا بتطورات الميدان، وما إذا كانت طهران قادرة على الصمود ومواصلة الضغط العسكري والسياسي في الأيام المقبلة”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() القطاع الفندقي في مأزق… الحجوزات تنخفض 50% ومطالب بإنقاذ الموسم السياحي | ![]() لبنان على رأس الدول الأكثر تلوّثًا: انهيار بيئي وصحي في ظل فسادٍ مُزمن | ![]() إسرائيل تُجهض إيران بضربة موجعة… تغيّر قواعد اللعبة! |