اقتصاد ينمو في العتمة… مليارات في الظلّ تُفاقم الأزمة


خاص 27 حزيران, 2025

على الرَّغم من الصورة القاتمة، لا تزال هناك أدوات فعّالة لمحاصرة اقتصاد الظلّ تدريجيًا. ومن أبرزها تعزيز الشفافية المالية، دعم التحوّل إلى الدفع الرقمي، وتوسيع قاعدة الشمول المالي، وهي مجالات لطالما كان القطاع المصرفي اللبناني جزءًا محوريًا فيها.

كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:

في بلدٍ يعيش أزماتٍ متلاحقةً كالتي يشهدها لبنان، غالبًا ما تختبئ المشكلات الكبرى خلف العناوين الظاهرة. لكن هناك “اقتصاد خفي” ينمو بصمتٍ، بعيدًا عن أعين الدولة وأرقامها الرسمية، يبتلع حصصًا ضخمةً من النّاتج المحلي، ويُضعف الدولة أكثر مما يبدو على السطح. إنّه اقتصاد الظلّ، أو كما يسمّيه البعض “الاقتصاد الموازي”، الذي تخطّى في لبنان عتبة 19.6% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2023، بحسب تقرير حديث صادر عن “بنك بيبلوس” بالاستناد إلى دراسةٍ أجرتها شركة “إرنست أند يونغ”.

هذا الرّقم، وإنْ بدا تقنيًا للوهلة الأولى، يُخفي وراءه واقعًا مُقلقًا: لبنان بات يسجل معدّلًا أعلى من المتوسط العالمي البالغ 11.8% بحسب منهجية الطلب على العملة، بل حتّى أعلى من المتوسط الحسابي العالمي الذي وصل إلى 19.3%.

هذا النّوع من الاقتصاد ليس جديدًا على لبنان، بل هو آخذ في التوسّع منذ سنوات، ما بين عامَي 2000 و2023، ازداد حجمه بنسبة 3.5%، فيما ارتفع 1.9% ما بين 2019 و2023، وفي العقد الأخير وحده، نما بنسبة 4.5%.

بالقياس إلى النّاتج المحلي الإجمالي الاسمي المقدّربـ23.6 مليار دولار، فإن اقتصاد الظل يُعادل حوالي 4.6 مليارات دولار، مبلغ ليس بالهيّن، ويجري خارج نطاق الدولة كليًّا.

أضرار لا تُحصى: من المال العام إلى ثقة الناس

وجود اقتصاد كبير خارج رقابة الدولة يعني أوّلًا خسارةً ضريبيةً فادحةً، ما يُعمّق ما يُعرف بـ”الفجوة الضريبية”، أي الفارق بين ما يجب تحصيله وما يُحصَّل فعليًا. وكنتيجةٍ مباشرةٍ، تتراجع قدرة الدولة على تقديم خدمات عامة بجودة مقبولة، من التعليم والصحة إلى البنية التحتية.

لكنّ الأضرار تتجاوز الإطار المحلي. إذ إن تنامي حجم الاقتصاد غير الرسمي، لا سيما في بيئةٍ تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على التعامل النقدي “الكاش”، ينعكس سلبًا على صورة لبنان في المجتمع المالي الدولي، ويغذّي الشكوك بشأن التزامه بمعايير الشفافيّة ومكافحة غسل الأموال. وهو ما يُبقي البلاد على “اللائحة الرمادية للمراقبة الدولية”، ويجعلها مهدّدةً بخطر الانزلاق نحو “اللائحة السوداء”، بما يحمله ذلك من تبعاتٍ خطيرةٍ على التحويلات، والعلاقات المصرفية، والاستثمارات.

ما هو اقتصاد الظلّ؟ ولماذا يُقلقنا؟

باختصارٍ، اقتصاد الظلّ هو كل نشاط اقتصادي لا يخضع للرقابة الرسمية ولا يُسجَّل ضمن البيانات الوطنية. أي معاملة تجري بلا فواتير، بلا إيصالات، بلا ضرائب. سواء مارسَتها شركة مرخّصة تتلاعب بالأرقام، أو جهة غير مسجَّلة أصلًا.

ولرصد حجم هذا الاقتصاد، اعتمدت الدراسة على 73 مؤشرًا، من بينها: مستوى الحوْكمة، حجم العملة المتداولة، البطالة، فعّالية القوانين، درجة الفساد، الإيرادات الضريبية، استخدام الدفع الرقمي، جودة التعليم، والهجرة… كلّها عناصر تتفاعل لترسم ملامح الاقتصاد الموازي.

على الرَّغم من الصورة القاتمة، لا تزال هناك أدوات فعّالة لمحاصرة اقتصاد الظلّ تدريجيًا. ومن أبرزها تعزيز الشفافية المالية، دعم التحوّل إلى الدفع الرقمي، وتوسيع قاعدة الشمول المالي، وهي مجالات لطالما كان القطاع المصرفي اللبناني جزءًا محوريًا فيها، عبر توفير منصات الدفع، تسهيل التحويلات، وربط الشركات والأفراد بالنظام المالي الرسمي.

ففي الوقت الذي ينمو فيه اقتصاد الظل بعيدًا عن العيون، تبقى المصارف اللبنانية، على الرَّغم من التحديات، أحد أبرز أدوات الانتقال نحو اقتصادٍ منظّمٍ وشفافٍ، من خلال ما تُتيحه من بنية تحتية مالية، وسجلّات موثوقة، وآليات رقابة وتوثيق ضرورية لأي إصلاح اقتصادي جاد.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us