الردّ على بارّاك يترنّح بين “تسليم السلاح” والحرب

بغض النظر عمّا يفكّر به “الحزب” وما يوفره له الرئيس نبيه بري من تحايل وشراء الوقت على حدّ تعبير صخر، فإنّ لجوء السلطة التنفيذية إلى استشارة رئيس السلطة التشريعية والوقوف على رأي الممانعين في كلّ شاردةٍ وواردةٍ هي مصيبة ستجرّ على البلد أخطارًا كبرى.
كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:
يتخبّط لبنان الرسمي في صياغة الردّ المنوي تسليمه إلى المبعوث الأميركي توماس بارّاك، قبيل وصول الأخير إلى لبنان مطلع الأسبوع المقبل. فبعدما كانت الأجواء تَشي بإيجابية المسار والإيحاء بأنّ “حزب الله” أبدى موافقته على تنفيذ خطوةٍ مقابل خطوةٍ، واقتراحه انسحاب إسرائيل من التلال الخمس لينسحب بعدها شمالًا، تبدّد التفاؤل مع تمسّك “الحزب” بمطالبه المُتمثّلة بوقف الاعتداءات الإسرائيلية والانسحاب من النقاط المحتلّة وتحرير الأسرى والشروع في إعادة الإعمار قبل أيّ حديث عن معالجة أزمة سلاحه، حسبما أفادت مصادر مطّلعة لـ”هنا لبنان”، مشيرةً إلى أن “حزب الله يحاول كسب الوقت وسط انقسام في الآراء داخل قياداته بين مؤيّدٍ للتسليم ومعارضٍ له بشكلٍ كاملٍ ومَن يريد تسليمه جزئيًّا وبشروطه”.
وعلى الرَّغم من تكثيف الاجتماعات واللقاءات اليومية بين المسؤولين الرسميين و”حزب الله” من أجل التوصّل إلى صيغةٍ موحّدةٍ تضمن مصلحة لبنان وأمنه وعدم تعريضه لحرب جديدة، وعلى الرَّغم من تسارع مروحة الاتصالات الجارية بين بعبدا والسراي وعين التينة وسعي الرئيس نبيه بري الذي يلعب دور الوسيط مع “الحزب” لتذليل العقبات، يبدو أن الأخير، وعلى الرَّغم من تسليمه “مسودة الردّ”، لا يرغب بالتسرّع في الإجابة كونه يعي جيّدًا أنّه سيكون “الخاسر الأكبر” في الحالتَيْن: فهو إن تنصّل من التقيّد بالمقترح الأميركي سيعرّض نفسه والبلد بأجمعه لعدوانٍ إسرائيليّ جديدٍ، وإن قبِل بمقترح تسليم السلاح خلال فترةٍ زمنيةٍ، فمعنى ذلك أنه فقد مبرّر وجوده القائم على فكرة أنّ هذا السلاح هو “صمّام أمان” للبنان وحمايته من الاعتداءات الإسرائيلية وأنه وحده القادر على لجم العدوان على قاعدة توازن الردع، لذلك سرعان ما بدّد الشيخ نعيم قاسم كلّ الإيجابيات التي بنى عليها القادة اللبنانيون آمالهم في الأيام الأخيرة.
وهنا تشدّد المصادر المطلعة على “أنه من واجب “الحزب” أن يضع نصب عينيه هذه المرة مصلحة لبنان وليس مصلحته الشخصية فقط، لأن تعريض لبنان للخطر ولعدوان إسرائيلي جديد سيرتدّ عليه أولًا وعلى الجميع ثانيًا، وربّما لن توفّر إسرائيل أي مرفق حيوي إلّا وتجعله “خارج الخدمة” كونها ستعاقب الدولة هذه المرّة التي لم تكن موجودة في حرب “أكتوبر/تشرين الأول” الماضية”.
ويلفت مصدر مطّلع على الاتصالات واللقاءات الجارية بشأن ورقة الردّ لـ”هنا لبنان” إلى عمق الأزمة والتخبّط الحاصل، ويقول إنّ “زيارة الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان المفاجئة دليل على محاولة دفع لبنان للردّ على المقترح الأميركي بإيجابيةٍ واضحةٍ، لأنّ الاهتمام السعودي بإيجاد مخرجٍ للبنان يُعيد له مكانته وتموضعه في ظلّ التحوّلات التي يشهدها الشرق الأوسط أمرٌ أساسي بالنسبة للمملكة”.
وفي هذا الإطار، يرى الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد يُعرب صخر أنّ “الردّ اللبناني على المقترح الأميركي يمكن أن يأتي في إطارَيْن: الأول: أن تخضع السلطة لشروط “الممانعة” كما سابقاتها من السلطات، وعلى الرَّغم من اعتقادنا أن هذه السلطة الجديدة متحرّرة إلا أنّها تبدو كأنّها لا ترضى أن تتحرّر، وكأنّ “عقدة ستوكهولم” لا تزال موجودة، فإذا أتى الردّ على مقترح بارّاك منسجمًا مع مضامين فكر “الممانعة” فعلى الدنيا السلام، لأن شرط “الحزب” هو “انسحاب إسرائيل وتوقيف الاغتيالات وعدم استباحة الأجواء اللبنانية قبل تسليم السلاح”. أمّا الثاني: “إذا كان الردّ منسجمًا مع ما ينصّ عليه القانون والدستور، أي أن يتولّى الجيش اللبناني تفكيك الميليشيات ونزع السلاح غير الشرعي على الجغرافيا اللبنانية كافّة، عندها تصبح السلطة ملزمةً بمهلةٍ زمنيةٍ لتنظّف لبنان من المظاهر المسلّحة غير الشرعية كافّة”.
ويلفت العميد صخر في حديثه لـ”هنا لبنان” إلى ضرورة أن “يتزامن كلّ ذلك مع الانسحاب الإسرائيلي الكامل من أرض لبنان ومائه وأجوائه وعدم استباحة السيادة اللبنانية وتطبيق القرارات الدولية المتعلّقة بترسيم الحدود والالتزام بها”.
بغض النظر عمّا يفكّر به “حزب الله” وما يوفره له الرئيس نبيه بري من تحايل وشراء الوقت على حدّ تعبير صخر، يعتبر الأخير أن “لجوء السلطة التنفيذية إلى استشارة رئيس السلطة التشريعية والوقوف على رأي الممانعين في كلّ شاردةٍ وواردةٍ يُعدّ مصيبة ستجرّ على البلد أخطارًا كبرى”. وبرأي صخر، “لبنان على مفترق طرق، فإمّا نذهب نحو الدولة أو نبقى في حالة اللّادولة، ولا شكّ أن الارتهان إلى اللّادولة سيعطي إسرائيل الذريعة لتكمل مهمّتها التي توقّفت في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024”.
لا يبدي العميد صخر تفاؤلًا بمسار الأمور، طالما أنّ الدولة “لم تتلقّف الفرصة بعد، وهذا ما تسبّب بتراجع الدعم الدولي الذي تحوّل إلى امتعاضٍ من أدائها”.
وختم صخر محذّرًا: “إذا بقيت ردود السلطة خاضعة للطرف الممانع، فإنّ إسرائيل التي كانت تتجنّب في الجولة الأولى استهداف المقرّات الرسمية والمرافق السيادية والحيوية في لبنان كالمطار والمرفأ والجسور وسواها، وتركيزها على مقرّات ومراكز “حزب الله”، فهي حتمًا لن توفّر شيئًا في الجولة المقبلة إن حصلت، وستقوم بضرب لبنان غير الرسمي وما تبقّى منه، كما ستضرب لبنان الرسمي بمرافقه ونقاطه الحيوية والحسّاسة”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() “أميركية” تخسر أموالها وسياراتها الفخمة احتيالاً في لبنان | ![]() عندما تُخالف شركة صيرفة قرار مصرف لبنان! | ![]() حرب إيران وإسرائيل ترعب الضاحية.. سكانٌ يبحثون عن مكانٍ آمن |