بين أتون الحرب وآمال التّعافي… “بيوت الضّيافة” تنعش القطاع السّياحي

مَن يُسعِّر اللّيلة بـ40 أو 50 دولارًا يعرف الطّبقة أو الفئة الّتي يتوجّه إليها، أي غالبًا الشّباب الّذين لا يتمتّعون بإمكانات مادّيّة كبيرة. بينما صاحب البيت أو المشروع الّذي يحدّد سعر اللّيلة بـ200 دولار وما فوق، فهو لا يُقدم على هكذا خطوة إذا كانت التّقديمات ودراسة السوق لا تسمحان له بذلك.
كتب إيلي صرّوف لـ”هنا لبنان”:
متسلّحًا بالإرادة والعزيمة وعشق الحياة الّذي يكاد يُلامس حدود الانتحار، يَجهد “طائر الفينيق” مرّةً جديدةً لينفض ركام الحروب والانهيارات والمآسي عن جناحيه النّازفين، أملًا أن يُحلّق في سماء النّمو والازدهار، حيث يرغب ويليق به أن يكون. وهذه ليست عبارة “كليشيه”، بل واقع أثبتته التّجارب طيلة السّنوات الماضية.
بعد الانهيار الاقتصادي المالي الّذي صُنّف الأسوأ في تاريخ لبنان الحديث، جائحة “كوفيد 19″، انفجار مرفأ بيروت الّذي خلّف جرحًا على امتداد الـ10452 كيلومترًا مربّعًا، والحرب الإسرائيليّة الأخيرة… يحلّ الموسم السّياحي هذا الصّيف في ظلّ عهدٍ رئاسيٍّ جديدٍ، حاملًا آمالًا وتوقّعاتٍ إيجابيّةً إلى حدٍّ ما.
ومن أبرز الأعمدة المُستجدّة المُحرِّكة للنّشاط السّياحي، بيوت الضّيافة المنتشرة على مساحة الخريطة اللّبنانيّة، ولا سيّما في المناطق الجبليّة والقرى السّاحليّة، والّتي باتت مقصدًا للمغتربين والسيّاح الأجانب، وللمقيمين التوّاقين إلى الهروب من زحمة المدن وروتينها وإعادة التّواصل مع الطّبيعة. فهذه البيوت لم تعد فقط مكانًا للإقامة الموقّتة والمنامة، بل جزءًا من تجربةٍ مميّزةٍ، يختلط فيها الاستجمام بالنّشاطات الطّبيعيّة والتعرّف إلى التنوّع البيئي والثّقافي للقرى، ما يُسهم في تعزيز السّياحة الدّاخليّة والرّيفيّة؛ وتحريك الاقتصاد في البلدات المتواجدة فيها.
بدأت الـ”Guest Houses” الظّهور منذ نحو عقدٍ، خاصّةً مع إطلاق وزارة السّياحة بالتّعاون مع “الوكالة الأميركيّة للتّنمية” (USAID) في العام 2016، الموقع الإلكتروني “ضيافة”، الّذي ضمّ حينها نحو 30 بيت ضيافة و181 غرفة. لكنّ الطفرة الملموسة لتلك البيوت تزامنت مع الانهيار الاقتصادي المالي في لبنان وجائحة “كورونا”، ما دفع اللّبنانيّين “المخنوقين” إلى البحث عن متنفسٍ بعيدٍ وبأسعارٍ مقبولةٍ نسبيًّا.
وفي العامَيْن الماضيَيْن، أخذ هذا القطاع بالازدهار والتوسّع مع ازدياد الطّلب الكبير، وندرة أو غياب الفنادق في المناطق الرّيفيّة النّائية والجبليّة. والعين كانت على هذا الصّيف، على وقع المعطيات والأرقام الّتي أكّدت أنّ الحركة ستكون ناشطةً وواعدةً، غير أنّ الحرب الإسرائيليّة – الإيرانيّة الأخيرة أعادت خلط الأوراق.
في هذا الإطار، يكشف نقيب أصحاب ومستثمري بيوت الضّيافة في لبنان رمزي سلمان، في حديث لـ”هنا لبنان”، أنّ “التوقّعات الّتي كانت جيّدة تأثّرت بالتطوّرات الأخيرة، فكلّ شيءٍ مرتبط بالوضع الأمني سواء داخليًّا أو إقليميًّا”، مُبيّنًا أنّه “عادةً في شهرَيْ تمّوز وآب إذا كانت السّنة طبيعيّة أو مستقرّة أمنيًّا، تتخطّى نسبة الحجوزات الـ90 بالمئة، لكنّ هذا العام قد تصل إلى حدود الـ70 بالمئة”.
ويوضح أنّ “الحجوزات تتوزّع بين المغتربين والسيّاح والمواطنين المُقيمين في لبنان، لكن النّسبة الأكبر منها عائدة للمغتربين، مع أنّ عددًا من هؤلاء عدل عن المجيء إلى لبنان بعد البلبلة الأمنيّة الّتي حصلت”، منوّهًا إلى أنّ “هناك حجوزات لسيّاح خليجيّين”، لا سيّما بعد قرار وزارة الخارجيّة الإماراتيّة رفع حظر سفر رعاياها إلى لبنان، إلّا أنّها تأثّرت أيضًا بحرب الـ12 يومًا.
وعن العدد التّقريبي لبيوت الضّيافة، يشير سلمان إلى أنّه “لا يوجد إحصاءٌ دقيقٌ، لكنّها تتراوح ما بين 500 و700 بيت منتشرةً في مختلف المناطق اللّبنانيّة”. أمّا بالنّسبة للأسعار الّتي بدأت ترتفع تدريجيًّا مع ارتفاع الطّلب خلال السّنوات القليلة الماضية، فيلفت إلى أنّ “الحدّ الأدنى يتراوح ما بين 40 و50 دولارًا للّيلة الواحدة، وقد تصل الأسعار إلى 400 دولار للّيلة في بعض البيوت، تبعًا لموقعها وحجمها ومزاياها والخدمات المقدَّمة ودرجاتها”.
ويؤكّد “أنّنا لا نفرض حدًّا أدنى أو أقصى بالنّسبة للأسعار، ولا نقبل الدخول في لعبة التّصنيفات، فالكلمة الفصل تعود للسوق. ومَن سيطلب أكثر ممّا يستحق، لن ينجح في جذب الزوّار، وسيضطرّ إلى خفض الأسعار تلقائيًّا”، شارحًا أنّ “مَن يُسعِّر اللّيلة بـ40 أو 50 دولارًا يعرف الطّبقة أو الفئة الّتي يتوجّه إليها، أي غالبًا الشّباب الّذين لا يتمتّعون بإمكانات مادّيّة كبيرة. بينما صاحب البيت أو المشروع الّذي يحدّد سعر اللّيلة بـ200 دولار وما فوق، فهو لا يُقدم على هكذا خطوة إذا كانت التّقديمات ودراسة السوق لا تسمحان له بذلك”. ويُعرب عن أمله بأنّه “إذا أكمل الوضع على ما هو عليه، فستكون بيوت الضّيافة مفوّلة”.
على وقع استنفار الحكومة وخططها وتحضيرات النّقابات السّياحيّة والمؤسّسات الفندقيّة والمطعميّة ولجان المهرجانات لموسمٍ سياحيٍّ واعدٍ، يدخل قطاع “بيوت الضّيافة” المزدهر على خطّ جذب السيّاح، ليشكّل إحدى جرعات الأوكسيجين للقطاع الّذي تلقّى ضربةً موجعةً نهاية الصّيف الماضي، وأخرى في شهر حزيران.
فهل سينجح لبنان على الرَّغم من كلّ الظّروف في استعادة لقب “مَصْيَف العرب”؟ وهل سيكون صيف 2025 “ولعان” إيجابيًّا أو سلبيًّا؟.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() أُربطوا الأحزمة… هل تُحلّق وعود مطار القليعات في سماء التنفيذ؟ | ![]() القطاع العقاري اللّبناني: من الرّكود إلى استعادة العافية المشروطة | ![]() بين التّصعيد والتّهدئة: مصير الشّرق الأوسط في يد ترامب! |