الضغط على “الحزب”: تجفيف مالي شامل يبدأ من مطار بيروت

ستشهد الأيام المقبلة تشديداً إضافياً في الإجراءات داخل مطار بيروت وسائر المعابر الحدودية، بإشراف مباشر من الجهات الأمنية اللبنانية وبتنسيق مع شركاء دوليين، وأيّ محاولة تهريب أموال نقدية، ولا سيما بالدولار الأميركي، ستواجه بحزم، سواء كانت تلك الأموال مرسلة من الخارج أو يتم إدخالها عبر وسطاء وشبكات معروفة بولائها للحزب
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
تتخذ الضغوط على “حزب الله” منحىً أكثر حساسية وتعقيداً في المرحلة الراهنة، وسط تقاطع واضح بين الإرادة الدولية والقرار اللبناني بمنع الحزب من الاستفادة من مرافق الدولة اللبنانية لأغراض تمويلية أو لوجستية، خاصة بعد تصاعد التوتر الإقليمي في أعقاب الحرب الأخيرة على غزة وتصاعد التوتر بين إيران والغرب.
وقد أصبح مطار رفيق الحريري الدولي تحديداً، إحدى الجبهات التي تشهد رقابة أمنية ومالية مشددة، في إطار سياسة تهدف إلى ضبط أي نشاط غير مشروع متصل بالحزب، ومنع دخول أو تهريب العملة الصعبة، لا سيما الدولار الأميركي، الذي يُشتبه باستخدامه في تمويل نشاطات الحزب الداخلية والخارجية.
توقّف الرحلات الإيرانية وتشديد التفتيش الأمني
تزامن هذا التشدد مع توقف الرحلات الإيرانية إلى بيروت، إضافة إلى تعقيد إجراءات تفتيش دقيقة في المطار، خصوصاً في ما يتعلق بالركاب القادمين من دول تعتبرها الولايات المتحدة داعمة للحزب أو متواطئة في تيسير نشاطاته. وتندرج هذه الخطوات ضمن حملة أوسع تقودها الولايات المتحدة، بالتعاون مع حلفائها الأوروبيين وبعض دول المنطقة، لتجفيف شبكات الدعم المالي المرتبطة بالحزب، والتي كانت تنشط في مناطق متفرقة من العالم، من أفريقيا إلى أوروبا وحتى أميركا الجنوبية.
نحو رقابة صارمة في المرحلة المقبلة
لكن ماذا عن تفاصيل هذه الإجراءات وكيف تتقاطع مع المشهدين اللبناني والدولي؟ وما هي تبعاتها على تمويل الحزب وهيكليته التنظيمية؟
وفق معلومات متقاطعة من مصادر سياسية وأمنية، فإنّ الأيام المقبلة ستشهد تشديداً إضافياً في الإجراءات داخل مطار بيروت وسائر المعابر الحدودية، بإشراف مباشر من الجهات الأمنية اللبنانية وبتنسيق مع شركاء دوليين. وتشير المصادر إلى أنّ أي محاولة تهريب أموال نقدية، ولا سيما بالدولار الأميركي، ستواجه بحزم، سواء كانت تلك الأموال مرسلة من الخارج أو يتم إدخالها عبر وسطاء وشبكات معروفة بولائها لحزب الله.
وتضيف المصادر أنّ الدولة اللبنانية باتت أمام اختبار جديّ، وأنّ “التغاضي” عن هذه العمليات لم يعد مقبولاً في المرحلة الحالية، خصوصاً في ظل الالتزامات التي قطعها لبنان أمام المجتمع الدولي. وتشير التقديرات إلى أنّ التشديد الرقابي سيترافق مع قرارات إدارية وقضائية جديدة تطال الأفراد والجهات المتورطة في أي عمليات مالية مشبوهة، سواء عبر المطار أو عبر شبكات التحويل غير الرسمية.
وفي هذا الإطار أكد الصحافي والمحلل السياسي آلان سركيس لـ “هنا لبنان” أنّ “هناك توجهاً لبنانياً واضحاً، مدعوماً بإرادة دولية، لمنع حزب الله من استخدام المرافق العامة، وعلى رأسها مطار بيروت، في عمليات التمويل غير الشرعي وتهريب الأموال”.
وأوضح سركيس أنّ “الضغط على حزب الله لا يقتصر على المطار فقط، بل يشمل أيضاً المرافئ والحدود الشرقية والشمالية، التي طالما شكّلت نقاط نفوذ للحزب. ولفت إلى أن هذا الضغط تصاعد بشكل ملحوظ خلال حرب غزة الأخيرة، حيث تلقّى لبنان تهديداً إسرائيلياً مباشراً باستهداف المطار في حال استخدامه من قبل حزب الله، إلا أنّ الدولة اللبنانية تمكنت حتى الآن من ضبط الوضع ومنع أي استخدام للمطار لأغراض تتعلق بالحزب”.
وأشار سركيس إلى أنّ “قراراً سياسياً كبيراً قد اتُّخذ في لبنان يقضي بعدم السماح لحزب الله باستغلال أي من مرافق الدولة في عملياته، لا سيما تلك المتعلقة بالتمويل، مؤكداً أنّ الحزب يقوم بإدخال أموال غير شرعية إلى البلاد، ولو كانت شرعية لكانت قد دخلت عبر النظام المصرفي المعتمد عالمياً”.
وأضاف أنّ “إيران لا تزال ترسل مبالغ مالية كبيرة إلى الحزب، إلّا أنّ الضربة الأكبر لحزب الله جاءت مع انهيار النظام السوري، الذي كان يساهم سنوياً بما يقدّر بخمسة مليارات دولار لدعم الحرس الثوري الإيراني وحزب الله. كما تراجعت قدرة شبكات الحزب في الخارج، خاصة في أوروبا وأفريقيا، بعد أن بدأت عدة دول أوروبية بملاحقة تلك الشبكات التي تعتمد على بعض المغتربين الشيعة في عمليات التمويل”.
وفي السياق نفسه، لفت سركيس إلى أنّ “حزب الله حاول سابقاً إيجاد بدائل، منها نقل الأموال عبر تركيا، إلا أنّ تلك المحاولات باءت بالفشل. كما توقفت بعض الرحلات الإيرانية إلى لبنان مؤخراً بسبب العقوبات المفروضة على شركات الطيران التي يُعتقد أنها ساهمت في تسليح الحزب”.
وختم سركيس بالتأكيد على أنّ “حزب الله يواجه حالياً أزمة مالية حادة، ظهرت جلياً من خلال عدم قدرته على دفع مستحقات بعض عناصره، ما يدل على أنّ جهود تجفيف مصادر التمويل، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، بدأت تؤتي ثمارها”.
من جهته، أكد الكاتب السياسي مروان الأمين أنّ “وتيرة الضغط على حزب الله تتصاعد بشكل غير مسبوق، لا سيما بعد الحرب الأخيرة على لبنان، مشيراً إلى أنّ هذا التصعيد بدأ فعلياً من خلال منع الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت، في خطوة تهدف إلى قطع خطوط الإمداد الجوي التي كان يعتمد عليها الحزب”.
وأضاف الأمين أنّ “سقوط نظام الأسد ساهم بشكل كبير في خنق طرق الدعم البري، ما زاد من حدة الحصار المالي واللوجستي المفروض على الحزب، خصوصاً بعد التطورات الإقليمية الأخيرة، وعلى رأسها الضربات الإسرائيلية – الأميركية التي استهدفت المشروع النووي الإيراني، ونجحت إلى حد كبير في تحييد خطره”.
وتابع: “بعد تحجيم التهديد النووي الإيراني، عاد ملف ما تبقى من سلاح حزب الله إلى الواجهة بقوة، ليُطرح اليوم بشكل مباشر على طاولة القرار في كل من تل أبيب وواشنطن”.
كما أشار الأمين إلى “الزيارة الأخيرة التي قام بها الموفد الأميركي، توم باراك إلى بيروت، حيث سلّم السلطات اللبنانية ورقة تتضمن مقترحاً لوضع جدول زمني واضح لحصر سلاح حزب الله، يمتد حتى شهر نوفمبر المقبل، إضافة إلى دفع ملف ترسيم الحدود البرية مع كل من إسرائيل وسوريا”.
وأوضح الأمين أنّ “هذا المسار السياسي ترافق مع خطوات عملية تمثلت في إدراج جمعية “القرض الحسن” وعدد من الشخصيات المرتبطة بها على لائحة العقوبات الأميركية، في إطار الضغط على المنظومة المالية التي يعتمد عليها الحزب لتمويل نشاطاته”.
وختم الأمين بالإشارة إلى أنّ “هناك قراراً دولياً حاسماً بأن يكون لبنان جزءاً من المرحلة الإقليمية الجديدة، والتي لا يمكن أن يدخلها إلا بعد معالجة ملف سلاح حزب الله بشكل نهائي، وتجفيف كامل لمصادر تمويله”.
بين الوقائع الميدانية، والتحولات الدولية، وبين الإجراءات التقنية على الأرض، يبدو أنّ حزب الله يواجه مرحلة مفصلية في تاريخه، حيث لم يعد التحدي عسكرياً فقط، بل أصبح مالياً ولوجستياً، تديره غرف القرار السياسي والأمني من بيروت إلى واشنطن مروراً بتل أبيب والعواصم الأوروبية، مع رهان واضح: لا استقرار في لبنان من دون تفكيك منظومة التمويل غير الشرعي، بدءًا من المطار.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() الهيئة المصرفية العليا تبصر النور… والإصلاح ينتظر قانون الفجوة | ![]() ودائع الدولار تحت مبدأ المساواة: مصرف لبنان يضرب بيد العدالة | ![]() قطاع المطاعم في لبنان… صمود يتحدى الأزمات |