خارطة الطريق الأميركية: اختبار نوايا الداخل.. سرديّة وسلاح بلا دور!

يبقى مستقبل لبنان رهناً بقدرته على حسم خياراته بوضوح. كما يمكن أن يشكّل احتكام الدولة للدستور خشبة خلاص للبيئة الحاضنة للحزب، ويفتح أمامها باب المشاركة الفعلية في قيام دولة حقيقية، بعيداً عن أحلام الماضي وأوهام الرهان على السلاح في مواجهة السلام
كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:
يتقدّم المشهد اللبناني اليوم على وقع حسابات متشابكة، حيث يتقاطع الداخل المنهك بملفاته المحليّة مع ضغوط الخارج الساعي إلى انتشال لبنان من أزماته البنيوية. وفي ظل تضافر حركة الموفدين الدوليين وجديّة المسعى الأميركي لإرساء خارطة طريق جديدة، تجد الطبقة السياسية نفسها أمام تحدٍّ مصيري: إما السير نحو دولة فعلية تحتكر الإمرة على السلاح، كلّ السلاح على أراضيها، أو البقاء رهينة سلاح ميليشياوي لم يعد دوره مقبولاً لا إقليمياً ولا دولياً.
على الجانب الآخر، تبدو الطغمة المتحكّمة في لبنان ماضية في التحايل على المجتمع الدولي، من خلال انتقاء ما يناسبها من مصطلحات للتعاطي مع “خارطة الطريق” الأميركية التي حملها توماس باراك إلى بيروت. غير أنّ المؤكد أنّ الآلة الحربية الإسرائيلية، بعد استدراجها الولايات المتحدة إلى حرب الـ12 يوماً مع إيران، مستمرة في تكريس سطوتها الأحادية كـ”شرطي” في المشرق العربي، ولن تهنأ قبل فرض سلام يقيها الاستفاقة على “طوفان أقصى” جديد.
في هذه الأثناء، يعمل الرؤساء الثلاثة على صياغة ردّ موحّد يوازن بين الخارج، الذي يراهن على قيام دولة فعلية في لبنان، وبين الداخل الذي ما زال بعضه متمسكاً بمشاريع توسعية تخريبية تجاوزها الزمن. ويرى متابعون أنّ لبنان، المنهك والمدمّر بفعل استدراج حزب الله آلة الدمار الإسرائيلية، ليس في موقع يسمح له بفرض الشروط، مشددين على أنّ ما تبقّى من أجنحةٍ في الحزب عليهم إدراك أنّ “الزمن الأول تحوّل”، مع تراجع نفوذ رأس المحور الإيراني وتقليص دور أذرعه.
ولتفادي الوقوع في فخّ التلاعب بصيغ “المذكرة الجوابية” بين نسخة إنجليزية ترضي موفد الإدارة الأميركية وأخرى محلية تتيح لحزب الله التنصل منها، برز تشديد على ضرورة التزام المسؤولين بخطة واضحة لتطبيق الدستور، باعتبارها السبيل الوحيد لتجاوز التحديات التي يستند إليها الحزب في رفض قرارات الشرعية الدولية.
كما أنّ إعلان صيغة لبنانية واضحة وملزمة يجنّب المسؤولين الوقوع في فخّ سردية الحزب الجديدة، القائمة على تحميل الدولة مسؤولية إعادة الإعمار وحمايته من الضربات الإسرائيلية، في مقابل الإبقاء على سلاحه الذي انتفى دوره على طريق القدس. ذلك السلاح الذي يسعى الحزب إلى توظيفه لترهيب الداخل، سواء عبر استعراضات مسلّحة رخيصة في وجه المدنيين وأبناء بيروت، أو عبر مقايضته بمكاسب سلطوية تعزّز نفوذه داخل مؤسسات الدولة.
وفي هذا الإطار، أعاد الترتيب الإقليمي لمستقبل وحدود القوى الفاعلة في “المشرق العربي” طرح فكرة تذكير إسرائيل، عبر الراعي الأميركي، بعدم التزامها اتفاق وقف إطلاق النار. كما يُستغرب في المقابل الإيحاء بأنّ الدولة اللبنانية قد تتولى إدارة سلاح حزب الله، أو تقايض إيداعه تدريجياً في مستودعاتها مقابل استجابة إسرائيل لبعض المطالب.
وإذ لا يملك لبنان، حتى على مستوى الخطاب الإعلامي، ترف طرح صيغة “خطوة مقابل خطوة”، استبق الموفد الأميركي توماس باراك وصوله إلى بيروت بالتأكيد عبر منصة X أنّ “الفرصة سانحة الآن” لإحياء الأمل، معتبراً اللحظة تاريخية لتجاوز الطائفية وتحقيق وعد لبنان الحقيقي بدولة واحدة، شعب واحد، وجيش واحد. وأضاف: “لبنان مكان عظيم بشعب عظيم. فلنجعل لبنان عظيماً من جديد”.
ولتفادي أي ذرائع قد يتذرع بها حزب الله للتنصل من التزامات الدولة، قد يكون من الضروري تذكير الجميع ببنود وقف الحرب عام 1989، التي نصّت على تسليم كل الأسلحة خلال ستة أشهر، وبما كرره مجلس الأمن لاحقاً في القرار 1559 الذي دعا إلى حلّ ونزع سلاح الميليشيات اللبنانية، ثم القرار 1701 الذي أعاد التأكيد على إقامة منطقة خالية من السلاح جنوب الليطاني باستثناء قوى الجيش والقوى الأمنية اللبنانية وقوات اليونيفيل.
يبقى مستقبل لبنان رهناً بقدرته على حسم خياراته بوضوح. كما يمكن أن يشكّل احتكام الدولة للدستور خشبة خلاص للبيئة الحاضنة لحزب الله، ويفتح أمامها باب المشاركة الفعلية في قيام دولة حقيقية، بعيداً عن أحلام الماضي وأوهام الرهان على السلاح في مواجهة السلام.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() مسؤولية الدولة: امتحان حاسم لشرعية السلاح في لبنان | ![]() لبنان بين مشروعَيْن: مدينة تُضاء… ومفاعيل تُحتَرَق! | ![]() التكاذب السياسي… وصفة رخيصة للإجهاز على ما تبقّى من مشروع الدولة |