7 أيار جديد في بيروت


خاص 7 تموز, 2025

“الحزب” الذي شبّ على السلاح خارج الدولة، ما زال حتى الآن وقد شاب وشاخ، يعود إلى قديمه. لكن كما يقال “لا تسلم الجرة كلّ مرة”. وهذا ما سنبدأ بسماعه من اليوم فصاعدًا

كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:

ظهر يوم الجمعة الماضي سلاح “حزب الله” في بيروت للمرة الأولى منذ زمن طويل وربما منذ 7 أيار عام 2008. ويعلم من هم ذوو خبرة في تاريخ “الحزب” أنّ الأخير يرسل الإشارات عن سابق تصور وتصميم إذا كان يبيّت أمراً ما. وتعطي أحداث بيروت قبل أكثر من 17 عاماً فكرة واضحة عما يدور الكلام حوله اليوم بعدما ظهرت بالأمس الأسلحة الرشاشة بيد عناصر “الحزب” خلال مراسم إحياء ذكرى عاشوراء التي وصلت أمس إلى خواتيمها.

أتى ظهور سلاح “الحزب”، ولو أنه من النوع الفردي، في توقيت مناسب لمن دبّر هذا الظهور في أروقة القرار في الضاحية الجنوبية. ويرتبط هذا التوقيت بالزيارة المرتقبة للمبعوث الرئاسي الأميركي توم باراك للبنان اليوم لكي يسمع جواب المسؤولين على ما طلبه منهم في زيارته السابقة في 19 حزيران الماضي لجهة إعداد برنامج لتسليم “حزب الله” سلاحه. واعتبر “الحزب” أنّ ظهور الرشاشات بأيدي عناصره في أحد أحياء العاصمة هو أفعل من كل المواقف التي أعلنها أخيراً لكيّ يؤكد تمسكه بالسلاح.

قام المسؤولون وفي مقدمهم رئيس الحكومة نواف سلام بواجب ردة الفعل. لكن ذلك لن يغيّر شيئاً في مسار الرسالة التي بعثها “الحزب” لمن يعنيه الأمر في داخل لبنان وخارجه. وأتت هذه الرسالة المكتوبة بالظهور المسلح أسرع من الرد الذي قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه ينتظره من “الحزب” على المقترح الأميركي لنزع السلاح وهو ردٌّ لا نعلم إذا كان سيبصر النور كما توقعه بري.

ثم جاء أمس موقف الأمين العام لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم في كلمته لمناسبة العاشر من محرم بمثابة توقيع على رسالة الظهور المسلح عندما قال:

“لدينا قناعة بأنّ مهمتنا المقاومة هي أن تبقى جذوة المقاومة مشتعلة، حتى ولو ‏كانت الظروف الآن صعبة ومعقدة.

لا يُقال لنا: اتركوا السلاح، بل يجب ‏على أولئك الذين يتفرجون أو يُضيّقون علينا أن ينضموا إلى منظومة الدفاع برعاية الدولة التي عليها أن ‏تتصدى بكل الوسائل إن لم تنفع الدبلوماسية.‏

يقولون: ولماذا ‏تحتاجون إلى الصواريخ؟ يا أخي، كيف نُواجه إسرائيل وهي تعتدي علينا إذا ما كان معنا؟”

لا تزال ذاكرة الكثير من اللبنانيين نشيطة لتستعيد وقائع ما جرى في السابع من أيار عام 2008. فقد شنّ “حزب الله” في ذلك اليوم “المجيد”، كما قال الأمين العام السابق لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله، غزوة لبيروت أسفرت عن سقوط عشرات القتلى في صفوف المدنيين وتدمير ممتلكات لكي يعبّر “حزب الله” عن رفضه لقرارات اتخذتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في اليوم السابق وقضت بإزالة شبكة الاتصالات التي أقامها “الحزب” في بيروت إضافة إلى أجهزة مراقبة في محيط مطار بيروت.

ربما يتساءل أحد عن تواضع رسالة الظهور المسلح الأخير لـ”الحزب” مقارنة بمناسبتها اليوم والمتزامنة مع مشروع أميركي لنزع سلاح هذا التنظيم. ويمتلك هذا التساؤل وجاهة لا جدال فيها. وسيكون الجواب البديهي على هذا التساؤل أنّ ظروف رسالة اليوم مختلفة جذرياً عن ظروف رسالة 7 أيار عام 2008. وسيكون مفيداً وبإيجاز تعداد اختلاف هذه الظروف:
-في 7 أيار 2008 كان “حزب الله” بكامل قدرته التي سمحت له التحكم بلبنان على كل المستويات. لكن في 5 تموز الجاري أي قبل 3 أيام، يمثل “الحزب” الحالي شبحاً لواقع كان عليه قبل حرب أيلول الأخيرة التي دمرت معظم إمكانات “الحزب” بشرياً وتسليحياً وفي مقدمة هذه الخسائر وأعظمها اغتيال إسرائيل نصرالله وقتل وإصابة آلاف عناصر “الحزب” في تفجير أجهزة المناداة (البيجرز) بأيدي مستخدميها من أعضاء “الحزب”.

-في 7 أيار 2008 كانت في السلطة حكومة هي آخر نتاج لـ14 آذار 2005 حيث شهد لبنان تجمعاً بشرياً لا سابق له في تاريخه رداً على جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط من ذلك العام. أما في 5 تموز الجاري، فإنّ السلطة الحالية بجناحيها التنفيذي والتشريعي تدفع حتى هذه اللحظة ثمن ليونتها في التعامل مع ملف سلاح “الحزب”.

– في 7 أيار 2008 كان هناك سيناريو داخلي وخارجي لكي يكون تكملة لغزو بيروت، وهو الوصول إلى اتفاق الدوحة الشهير الذي مكّن “الحزب” وحلفاءه وفي مقدمهم “التيار الوطني الحر” من التحكم بالسلطة التنفيذية من خلال ما سميّ بـ”الثلث المعطّل” الذي جعل الحكومات المتعاقبة تحت رحمة وزراء “الحزب” وحلفائه كي يقرروا متى شاؤوا بقاء الحكومة أو رحيلها. أما في 5 تموز الجاري ، فقد ولّى إلى غير رجعة زمن اتفاق الدوحة ومفاعيله وجاء زمن العودة إلى الدستور الذي جرى التمادي عليه منذ ولادته عام 1989 ولا سيما لجهة حصرية السلاح بيد الدولة فقط.

ربما تطول لائحة المقارنة بين زمني 2008 و2025 . وما يهم الآن هو القول إنّ “حزب الله” الذي شبّ على السلاح خارج الدولة، ما زال حتى الآن وقد شاب وشاخ، يعود إلى قديمه. لكن كما يقال “لا تسلم الجرة كل مرة”. وهذا ما سنبدأ بسماعه من اليوم فصاعداً.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us