إسرائيل تفتح النار استباقياً: لا للحوار بين واشنطن و”الحزب”

يحنّ “الحزب” إلى تجربة التفاوض عبر آموس هوكشتاين. فهي أدت إلى تحسن كبير في مناخ العلاقات مع واشنطن، وأثمرت اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية وتقاسم القدرات النفطية. ولكن، خلال تلك الفترة، شعر الجميع بأنّ “الحزب” هو الذي يقرر عن الدولة اللبنانية، وأما ملف السلاح فقد تراجع تماماً. والأرجح أنّ “الحزب” يرغب اليوم في دفع باراك إلى الدور الذي أداه هوكشتاين
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
لم ينتظر بنيامين نتنياهو رد الدولة اللبنانية، أي رد “حزب الله”، على توم باراك في ملف نزع السلاح. فهو يعرف أنّ “الحزب” لن يتخلى عن سلاحه أياً كان الثمن، وأنّ الدولة لن تجبره على تسليم هذا السلاح أياً كان الثمن. ولذلك، هو رفع سقف التصعيد ضد “الحزب” في لحظة وصول باراك إلى بيروت. فقد أعلن الجيش الإسرائيلي أنه بدأ عملية برية في الجنوب، لم يحدد موعداً لنهايتها، تستهدف مواقع “الحزب” ومخازنه ومسؤوليه. وبالتأكيد، هذا التوقيت يبعث برسالة مفادها أنّ إسرائيل لن تضيع وقتها بمفاوضات تعرف مسبقاً أنها محاولات لكسب الوقت.
وفي الواقع، لا شيء يجبر الإسرائيليين على مراعاة لبنان الرسمي ومنحه الفرص ليلتزم بتعهداته حول السلاح، ولذلك هم يتعاطون معه بالضربات العسكرية، ويتركون للأميركيين أن يجربوا الديبلوماسية. ولكن، في الجانب اللبناني، بدأت تتردد معلومات مفادها أنّ “حزب الله” يتجه إلى اعتماد تكتيك جديد، يقضي بفتح حوار مباشر مع الجانب الأميركي، يبدأ بلقاء بين باراك وبعض كوادره السياسيين. ويعتبر “الحزب” أنّ هذا الحوار يحقق له غايات مهمة في هذه اللحظة الحرجة، وأبرزها:
1- بعد الضربات الموجعة التي تلقتها إيران، وبعد سقوط نظام الأسد، يجد “الحزب” نفسه في موقع ضعف وعزلة غير مسبوقة. والحوار المباشر مع واشنطن يخفف حدة الضغط العسكري الإسرائيلي والضغط السياسي الأميركي، ويسمح له بتمرير المرحلة وإعادة ترتيب الأوراق، وتأخير أي إجراءات فعلية لنزع السلاح، لعل الظروف الإقليمية والدولية تتبدل.
2- إنّ مجرد جلوس ديبلوماسي أميركي مع قيادي من “حزب الله”، الذي تُصنفه واشنطن منظمة إرهابية، سيكون نوعاً من الشرعنة الضمنية لـ”الحزب” على الساحة الدولية. وطبعاً، يمكن أن يتطور الحوار مع واشنطن ليصبح حواراً غير مباشر مع إسرائيل. وهو، وإن يكن فارغاً من المضمون، يخفف الضغط العسكري الهائل على “الحزب” وبيئته.
ويقول ديبلوماسي مواكب إنّ “حزب الله” يحنّ إلى تجربة التفاوض عبر آموس هوكشتاين. فهي أدت إلى تحسن كبير في مناخ العلاقات مع واشنطن، وأثمرت اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية وتقاسم القدرات النفطية. ولكن، خلال تلك الفترة، شعر الجميع بأنّ “الحزب” هو الذي يقرر عن الدولة اللبنانية، وأما ملف السلاح فقد تراجع تماماً. والأرجح أنّ “الحزب” يرغب اليوم في دفع باراك إلى الدور الذي أداه هوكشتاين.
والمثير أنّ فتح الحوار المباشر بين واشنطن و”حزب الله” يلقى صدى في بعض الأوساط الأميركية. وفي ظنّ البعض أنه مناسب لـ”تطويع” “الحزب” بعد تحجيم نفوذه العسكري والسياسي، بإدخاله في أطر يمكن التحكم بها، وتحويله جزءاً من المنظومة السياسية التي تخضع للدولة. ويتفاءل هؤلاء بإمكان نزع السلاح بالوسائل الدبلوماسية، وبتحقيق فك ارتباطه العضوي بإيران، إذا نجحت واشنطن في تقديم حوافز له.
هل سينجح “حزب الله” في تسويق خطته التنفيسية، ودفع باراك إلى أن يصبح هوكشتاين ثانياً؟ العارفون يقولون إنّ الشكوك العميقة بين الطرفين قد لا تسمح بفتح حوار على طريقة هوكشتاين. وللتذكير، حتى في داخل بيئة “الحزب” هناك من يرفض هذا الحوار باعتباره محاولة أميركية لاختراقه أو إضعافه. كما أن الأميركيين، في ظل ولاية ترامب، يميلون إلى عدم التعامل مع “الحزب” لأنه لا يلتزم الاتفاقات.
ولكن العامل الحاسم في تعطيل أي حوار بين الأميركيين و”حزب الله” هو أنّ إسرائيل متشككة جداً إزاءه. والأرجح أنها بدأت تطلق النار عليه، لأنها لن تتيح لأحد تنفيس الضغط الذي تمارسه على “الحزب” ولن تسمح له بالتنفس مجدداً. وأولى الإشارات إلى ذلك، العملية البرية التي أطلقتها في الجنوب، والتي ربما تكون تمهيداً لخطوات أوسع.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() دور لدمشق في ضبط الحدود و”الحزب”؟ | ![]() إيران راجعة إلى النووي وإسرائيل إلى الحرب | ![]() سَقط خامنئي عندما سَقط الأسد |