السجناء السوريون والموقوفون الإسلاميون في لبنان: قنبلة موقوتة

تعجّ السجون اللبنانية بآلاف الموقوفين، من بينهم نحو 2000 سجين سوري، معظمهم من مناصري الثورة السورية التي باتت اليوم تُشكل السلطة الحاكمة المعترف بها دوليًا في سوريا. إلا أنّ التعاطي اللبناني مع هؤلاء يتم بعيون فريق داخلي لا يزال يرفض الاعتراف بهذه السلطة، وعلى رأسه “الحزب”، الذي كان حليفًا لنظام الأسد في قمع السوريين وتهجيرهم
كتب بديع قرحاني لـ”هنا لبنان”:
عاد إلى الواجهة مجددًا ملف السجناء السوريين في لبنان، إلى جانب قضية الموقوفين الإسلاميين الذين لا يزال العديد منهم رهن الاعتقال منذ سنوات طويلة، دون محاكمة أو توجيه اتهامات واضحة. هذا الواقع الكارثي يشكّل نموذجًا فاقعًا للظلم القضائي والسياسي المتواصل، حيث يتعرض المئات لانتهاك أبسط حقوقهم الإنسانية والقانونية، وسط تبريرات تتراوح بين “الاعتبارات السياسية” و”الإجراءات القضائية”.
موقوفون بلا تهمة.. وعدالة غائبة
تعجّ السجون اللبنانية بآلاف الموقوفين، من بينهم نحو 2000 سجين سوري، معظمهم من مناصري الثورة السورية التي باتت اليوم تُشكل السلطة الحاكمة المعترف بها دوليًا في سوريا. إلا أنّ التعاطي اللبناني مع هؤلاء يتم بعيون فريق داخلي لا يزال يرفض الاعتراف بهذه السلطة، وعلى رأسه حزب الله، الذي كان حليفًا لنظام الأسد في قمع السوريين وتهجيرهم.
أما الموقوفون الإسلاميون في لبنان، فكثير منهم اعتُقلوا بناءً على شبهات فقط، ولم تُعرض قضاياهم على أي محكمة منذ سنوات، مما يشكل انتهاكًا فاضحًا لمبدأ “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”، ويحول السجون اللبنانية إلى مساحة للانتقام السياسي أكثر منها فضاءً للعدالة.
رسائل سورية صامتة.. لكن مسموعة
مؤخرًا، سُرّبت معلومات تشير إلى “استياء الإدارة السورية الجديدة من تلكؤ لبنان في تسليم السجناء السوريين”، وجرى التلويح بإجراءات سياسية واقتصادية ردًا على هذا التباطؤ. ورغم نفي دمشق الرسمي لهذه المعلومات، فإنّ الرسالة وصلت، كما يقول المثل: “لا دخان من دون نار”.
قضية هنيبعل القذافي: نموذج للعبث القضائي
ما يحدث في ملف السجناء يتقاطع مع قضية هنيبعل القذافي، الذي خُطف من سوريا إبان حكم بشار الأسد، ولا يزال محتجزًا في لبنان دون أي تهمة واضحة. اللافت أنّ ما يُثار إعلاميًا حوله يدّعي مسؤوليته عن اختفاء الإمام موسى الصدر في ليبيا، مع العلم أنّ القذافي الابن كان يبلغ من العمر عامًا واحدًا فقط آنذاك!
مصادر رسمية: استعداد للتسليم ولكن..
مصادر لبنانية رسمية تؤكد أنّ ملف السجناء السوريين يحظى باهتمام الأجهزة القضائية والسياسية، مشيرةً إلى “الاستعداد لتسليم من تنطبق عليهم الشروط القانونية، من دون خرق الأنظمة”. غير أنّ الحقيقة المرّة تكمن في أنّ العقبة الكبرى، بحسب اعتراف جهات قضائية، هي أن معظم السجناء السوريين لم يُحكم عليهم أصلاً، وبالتالي لا يمكن تسليمهم! وهذه مفارقة قانونية تتحول إلى مأساة إنسانية، ووصمة عار على جبين القضاء اللبناني.
في هذا السياق، كشف مصدر من إدارة السجون اللبنانية أن اللجنة القضائية – الأمنية المكلفة بهذا الملف أنجزت مئات الملفات بهدف التسليم، لكن التنفيذ تعثّر بسبب هذه “العقبة القانونية”. ويضيف المصدر أنّ القاعدة التي تمنع تسليم أي موقوف ما لم يصدر حكم بحقه، تحولت إلى فخ قانوني يُبقي الأبرياء في الزنازين لسنوات بلا أفق.
نداء أهالي السجناء: أنقذونا من الظلم المزدوج
أمام هذا الانسداد، لم يجد أهالي السجناء السوريين سوى مناشدة الرئيس السوري أحمد الشرع مرارًا، للمطالبة بتسريع إعادتهم إلى وطنهم، ومحاكمتهم وفق الأصول. وهو مطلب إنساني مشروع في ظل الانهيار القضائي والإداري الذي يضرب لبنان من كل الجهات.
أحد المفرج عنهم مؤخرًا روى كيف سُجن لعامين كاملين قبل أن تصدر بحقه براءة تامة، دون أن تُعوَّض له سنوات الاعتقال أو يُحاسب من تسبّب بها.
إصلاح القضاء: أولوية تتقدّم على إعادة هيكلة المصارف
في المحصلة، لم يعد ممكنًا فصل ملف السجناء عن الأزمة الوطنية الأكبر، المتمثلة في تفكك القضاء اللبناني وانهيار منظومته. فبلدٌ يسجن الآلاف دون محاكمات، ويرهن العدالة لاعتبارات طائفية وسياسية، هو بلد على حافة الانفجار القضائي والأخلاقي.
ولعلّ أخطر ما في الأمر أنّ القضية لا تقتصر على الموقوفين، بل تمتد إلى صورة لبنان نفسه كدولة قانون، يُفترض أنها تحتكم إلى الدستور والمؤسسات، لا إلى الحسابات الضيقة والفئوية.
إنّ إصلاح القضاء اللبناني ليس ترفًا، ولا بندًا في برنامج انتخابي، بل ضرورة وطنية تفوق بأهميتها أي خطة اقتصادية أو مالية، وإعادة هيكلة القضاء أكثر أهمية بكثير من إعادة هيكلة المصارف.