بين “بلاد الشام” ولبنان الدولة: أي خيار تبقى؟

الوقت لم يعد عنصراً محايداً. التطورات في سوريا، كما أشار باراك نفسه، تُظهر أن دمشق تتهيأ لمرحلة جديدة. رفع العقوبات الجزئي فتح لها أبواباً للاستثمار، وعلاقات دبلوماسية تستند إلى رؤية واضحة للمستقبل. فهل يُعقل أن تفوّت الدولة اللبنانية الفرصة، وتبقى رهينة سلاح غير شرعي، أو معادلات خارجية لا تعنيها؟
كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:
بين تسارع التطورات الإقليمية، وتنامي الضغوط الدولية، تمثل الحكومة اللبنانية غداً أمام مجلس النواب في جلسة مساءلة قد تتحوّل إلى لحظة مفصلية. فالملف المالي والمعيشي، على أهميته، سيتراجع لصالح المسألة الأخطر: سلاح حزب الله ومستقبل الدولة.
السياق هذه المرّة مختلف. تصريحات الموفد الأميركي توماس باراك، جاءت حادة وصريحة. فقد حذّر من أنّ التراخي في معالجة ملف السلاح سيقود لبنان إلى فقدان مقومات الكيان، وإعادته إلى حضن “بلاد الشام”، كامتداد طبيعي لواقع سياسي وأمني تهيمن عليه معادلات إقليمية. لم يُخفِ باراك إحباطه من عجز اللبنانيين عن اتخاذ قرار سيادي واضح. لكنه لم يخفِ في المقابل إشارات ودّ تجاه القوى السياسية التي لا تزال، رغم الضغوط، تطالب بحصر السلاح بيد الدولة.
على طاولة المجلس النيابي، ستُطرح أسئلة لا مهرب منها. هل تملك الحكومة تصوراً واضحاً لتطبيق القرار 1701؟ وهل من خطة زمنية حقيقية لحصر السلاح بيد الدولة؟ وما مصير السلطة التنفيذية إن هي استمرت في سياسة تدوير الزوايا؟ في المقابل، سيكون حزب الله أمام اختبار مزدوج: داخلياً، في قدرته على التوفيق بين خطابه المتشدد، وبين الرسائل الأميركية التي بدت وكأنها تمنحه فرصة للعودة إلى اللعبة السياسية بشروط الدولة. وخارجياً، في مدى استعداده لتقديم إشارات تطمئن المجتمع الدولي، وتؤكد أن لا سلاح إلا سلاح الشرعية.
الجلسة ستكون اختباراً أيضاً لصدقية بعض الأطراف السياسية. فالمواقف العلنية التي تطالب بسحب السلاح من الشوارع، يجب أن تتحوّل إلى موقف رسمي داخل البرلمان. الرهان لم يعد على التصريحات، بل على من سيتجرّأ على مساءلة الحكومة حول مسؤولياتها الدستورية في فرض سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية.
الوقت لم يعد عنصراً محايداً. التطورات في سوريا، كما أشار باراك نفسه، تُظهر أنّ دمشق تتهيأ لمرحلة جديدة. رفع العقوبات الجزئي فتح لها أبواباً للاستثمار، وعلاقات دبلوماسية تستند إلى رؤية واضحة للمستقبل. فهل يُعقل أن تفوّت الدولة اللبنانية الفرصة، وتبقى رهينة سلاح غير شرعي، أو معادلات خارجية لا تعنيها؟
محاولة باراك تخفيف وطأة تصريحه عبر منصة X، لم تُخفِ حقيقة الرسالة: لبنان إما أن يكون دولة، أو أن يُبتلع من جديد في لعبة المحاور. استخدامه مصطلح “بلاد الشام”، وإن بدا مثيراً للجدل، يعكس عمق القلق الدولي من مصير كيان يتآكله الفراغ.
في ظل هذه المؤشرات، أي محاولة للربط بين سلاح حزب الله والحوار الداخلي، أو اختزال الأزمة في ما يُسمّى بـ”الاستراتيجية الدفاعية”، تبدو كمن يُعدّ لانقلاب ناعم على الدستور والقرارات الدولية، ولا سيما 1559 و1701.
الرهان على الوقت لم يعد ممكناً. المطلوب موقف واضح، لا يُشبه ما سبقه من مراوغات. فالدول ترسم مصالحها وفق واقع إقليمي متحرّك. ولبنان بحاجة إلى قرار شجاع يعيد الإعتبار للدولة. وإذا لم تدرك الطبقة السياسية أنّ لحظة القرار قد حانت، فإنّ الأحداث ستتجاوز الجميع وتفتح جولة جديدة من تحكّم الأجندات الأجنبية بلبنان؛ تجنباً للقول تلزيمه لمن باستطاعته ضمان أمن إسرائيل من جديد!.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() خارطة الطريق الأميركية: اختبار نوايا الداخل.. سرديّة وسلاح بلا دور! | ![]() مسؤولية الدولة: امتحان حاسم لشرعية السلاح في لبنان | ![]() لبنان بين مشروعَيْن: مدينة تُضاء… ومفاعيل تُحتَرَق! |