المادة 52 من الدستور: دور رئاسي محوري في السياسة الخارجية


خاص 15 تموز, 2025

يعكس تفعيل المادة 52 بالشكل السليم صورة الدولة الموحدة في الخارج، ويُعزز الثقة الدولية بلبنان كشريك محترم للقوانين الدولية ومتمسك بسيادته وشفافيته، وتجسيد حي للنظام الديمقراطي اللبناني الذي يقوم على التعاون بين السلطات، ويُثبت أن الدولة قادرة، حين تتوافر الإرادة السياسية، على العمل في إطار المؤسسات، واستعادة ثقة المواطن والرأي العام الخارجي

كتبت إليونور أسطفان لـ”هنا لبنان”:

مع انتظام العمل في المؤسسات الدستورية في لبنان، وفي خضم التحولات السياسية والدبلوماسية التي تشهدها المنطقة، عاد الحديث في الأروقة السياسية عن الدور الرئاسي الذي على رئيس الجمهورية أن يلعبه لا سيما في تطبيق المادة 52 من الدستور اللبناني، التي تُعتبر إحدى الركائز الأساسية في تنظيم العلاقات الخارجية للبنان وضمان احترام سيادته ومصالحه العليا.

وتنص المادة 52 على أنّ “رئيس الجمهورية يتولى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتطلع الحكومة المجلس النيابي عليها حينما تتيح لها مصلحة البلاد ذلك، وإذا كانت تتضمن شروطًا تتعلق بمالية الدولة أو بأحوال اللبنانيين الشخصية أو بحقوقهم العامة أو الخاصة فلا تصبح نافذة إلا بعد موافقة المجلس النيابي.”

هذا النص يعكس بوضوح حرص المؤسسين على تحصين القرار الدبلوماسي اللبناني، وجعله ضمن إطار دستوري متوازن بين المؤسسات، حيث يُسند لرئيس الجمهورية دورًا محوريًا في التفاوض باسم الدولة، بالشراكة مع رئيس الحكومة وموافقة مجلس الوزراء، وتحت رقابة المجلس النيابي.

ومع انتخاب الرئيس جوزاف عون وعودة العلاقات مع الدول العربية والغربية بعد قطيعة استمرت لسنوات بدأت الخطوات الملموسة تتظهر تباعاً، وعاد رئيس الجمهورية ليلعب دوره الدستوري سواء من خلال اللقاءات الثنائية مع رؤساء دول وحكومات، أو عبر توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة والثقافة، بعد دراستها من قبل الهيئات المختصة، ومناقشتها في مجلس الوزراء، وإحالتها إلى المجلس النيابي عند الاقتضاء.

في هذا الإطار، يشير الخبير القانوني والدستوري ربيع قيس في حديث عبر “هنا لبنان” إلى أنّ الحديث عن إعادة تفعيل هذه المادة ليس صحيحاً بالمعنى القانوني، خصوصاً وأنّ الصلاحيات المعطاة لرئيس الجمهورية بموجب هذه المادة موجودة من قبل اتفاق الطائف، وبالتالي فإنّ رئيس الجمهورية هو الجهة الوحيدة في الدولة المخولة إبرام اتفاقيات مع الدول على أن يتم عرضها لاحقاً على مجلس الوزراء أو مجلس النواب، مشدداً على أنّ رأي رئيس الجمهورية هو أساسي كأي قانون يمر في البلاد.

ورداً على سؤال حول إمكانية أن يكون هذا الموضوع انطلاقة لبحث رئيس الجمهورية موضوع التطبيع مع إسرائيل، استبعد قيس هذا الأمر، معتبراً أنه بموجب الدستور فإنّ رئيس الجمهورية ملزم بالعودة إلى مجلس الوزراء للموافقة على أي اتفاقية، وبالتالي فهو غير قادر على توقيع هكذا اتفاقية، وبالتالي فإنّ هكذا أمر يحتاج إلى توافق وطني كبير عليه، كما أنّ وزير الخارجية هو من يوقع هذه الاتفاقيات برعاية رئيس الجمهورية، وعليه فإنّ أي ربط بين الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية بموجب هذه المادة وتوقيع أي اتفاق مع إسرائيل هو ضرب في الفراغ وحديث لا قيمة له، لأنّ تفعيل القرارات المصيرية، خصوصًا تلك المتعلقة بالسيادة أو الشراكات الاستراتيجية، ثمرة توافق مؤسساتي، ما يمنع التفرّد ويكرّس مبدأ المشاركة في القرار الوطني.

وعليه، يعكس تفعيل المادة 52 بالشكل السليم صورة الدولة الموحدة في الخارج، ويُعزز الثقة الدولية بلبنان كشريك محترم للقوانين الدولية ومتمسك بسيادته وشفافيته، وتجسيد حي للنظام الديمقراطي اللبناني الذي يقوم على التعاون بين السلطات، ويُثبت أنّ الدولة قادرة، حين تتوافر الإرادة السياسية، على العمل في إطار المؤسسات، واستعادة ثقة المواطن والرأي العام الخارجي.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us