مُهلة أيلول


خاص 16 تموز, 2025

المقلقُ أنّ لبنانَ الرسمي لا يبدو جاهزًا لتلقّي نتائجِ أيِّ حربٍ جديدة، سواء على المستوى السياسيّ أو العسكريّ أو حتى الشعبيّ. الانقسامُ لا يزال عميقًا، والرؤيةُ الوطنيّةُ مُغيّبة، والاقتصادُ المُتهاوي عاجزٌ عن تحمّلِ كلفةِ أيِّ مغامرةٍ إضافيّة. أمامَ “مهلة أيلول”، إمّا أن يتحرّك لبنانُ على قاعدةٍ وطنيّةٍ موحّدةٍ تُنقذه من الكارثة، أو أن يسيرَ نحو المجهول.

كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:

تبدو الدولةُ اللبنانيةُ وكأنّها تسيرُ على “حبالِ السيرك”، تتأرجح بين رسائلِ الخارجِ وضغوطِ الداخل، من دون أن تمتلكَ رؤيةً موحّدةً أو قدرةً فعليةً على حسمِ الخياراتِ الكبرى. ففي الوقتِ الذي تلقّت فيه الردّ الأميركي الأوّلي على الورقة التي سبق أن قدّمتها إلى الموفدِ الأميركي توم بارّاك، لا تزال بيروت تنتظر عودته مجدّدًا علّها تفهم من واشنطن إلى أين تتجه الأمور، وما إذا كانت هناك نافذةٌ جدّيةٌ للحلِّ أم أنّ العدّ العكسي قد بدأ.

في الشكل، تظهر الدولةُ كأنّها تماهت مع معادلتَيْن متناقضتَيْن: الأولى تُنادي بانسحابٍ إسرائيليٍّ أولًا من جنوبِ لبنان، وهو مطلبٌ لبنانيٌّ يُفترض أن يُدرج ضمن أيّ تسويةٍ متوازنة. أمّا الثانية، فهي ما يُطرَحُ من تنفيذِ أيِّ اتفاقٍ فقط جنوبَ الليطاني، في حين يُترك ملفُّ سلاحِ حزبِ الله شمالَ الليطاني لما يُسمّى “الحوار الداخلي”. لكنّ هذا الطرح، وإنْ بدا مرنًا للبعض، لن يُرضي الولاياتِ المتحدة ولا إسرائيل، حيث تصرّ تل أبيب، وبدعمٍ أميركيٍّ صريح، على تفكيكِ البنيةِ العسكريّةِ والأمنيّةِ للحزبِ بشكلٍ كامل، في الجنوبِ كما في الشمال، وتعتبر أيَّ تسويةٍ تتجاوز هذا المطلب مجرّد هدنةٍ موقتة.

الخطيرُ في الأمرِ أنّ الإدارةَ الأميركية، التي لا تزال تؤمنُ بإمكانيّةِ الحلِّ السياسي، قرّرت منحَ لبنان “مهلةَ أيلول” كفرصةٍ أخيرةٍ لترتيبِ بيتِه الداخلي واتخاذِ قراراتٍ حاسمة. وما بعدَ أيلول، بحسبِ المؤشّراتِ الأميركيّة، سيكون مختلفًا جذريًّا، إذ تعتبر واشنطن أنّ الضرباتِ الإسرائيليّة التي بدأت في بعلبك ومُحيطها هي بمثابةِ رسائلَ تحذيريّة، وقد تتحوّل إلى حملةٍ واسعةِ النطاق إنْ لم يتحرّك لبنان لتفكيكِ العقدةِ الأساسيّة.

المقلقُ أنّ لبنانَ الرسمي لا يبدو جاهزًا لتلقّي نتائجِ أيِّ حربٍ جديدة، سواء على المستوى السياسيّ أو العسكريّ أو حتى الشعبيّ. الانقسامُ لا يزال عميقًا، والرؤيةُ الوطنيّةُ مُغيّبة، والاقتصادُ المُتهاوي عاجزٌ عن تحمّلِ كلفةِ أيِّ مغامرةٍ إضافيّة. أمامَ “مهلة أيلول”، إمّا أن يتحرّك لبنانُ على قاعدةٍ وطنيّةٍ موحّدةٍ تُنقذه من الكارثة، أو أن يسيرَ كما هو اليوم، على حبلٍ مهتزٍّ، نحو المجهول.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us