مافيات المولّدات تخنق بيروت: اشتراك 5 أمبير بـ 270 دولارًا!

في ظلّ الصمت الرسمي، تتزايد معاناة العائلات البيروتية، التي تجد نفسها أمام خيارين: إمّا دفع فواتير تفوق إمكاناتها، أو العيش في الظلام والحرّ وانعدام الحد الأدنى من مقوّمات الحياة. ومع استمرار هذا الواقع، تتفاقم الضغوط المعيشية على السكان، ما يعمّق شعورهم بالإحباط وفقدان الثقة بقدرة الدولة على حمايتهم وتأمين أبسط حقوقهم الأساسية.
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
وسط أزمات اقتصادية خانقة وظروف معيشية تزداد قسوة يومًا بعد يوم، أطلق أهالي رأس بيروت صرخةً مدويةً احتجاجًا على الارتفاع الجنوني في أسعار اشتراكات المولدات الخاصة، التي باتت تشكل عبئًا ثقيلًا لا يُطاق على العائلات في المنطقة.
ففي الأشهر القليلة الماضية، قفز سعر اشتراك الـ5 أمبير من 130 دولارًا إلى 270 دولارًا، بحسب ما أفاد به عدد من السكان، أي بلغت الزيادة أكثر من 100% من دون أي مبرر واضح أو رقابة فعلية من الدولة أو البلديات.
5 أمبير بـ270 دولارًا… والانقطاع مستمر
وعلى الرغم من التكلفة الباهظة، لا يحصل المشتركون على كهرباء دائمةٍ أو مستقرةٍ، إذ تصل ساعات القطع اليومي إلى 5 ساعات أو أكثر خلال النهار، في مشهدٍ يعكس عمق الانهيار في البنى التحتية وغياب أي خطة إنقاذٍ حقيقيةٍ من قبل الجهات المعنية.
تقول أم محمد، ربة منزل، إنها كانت تدفع 190 دولارًا مقابل اشتراك 5 أمبير، لكن الأمر تطوّر فصار يُطلب منها اليوم مبلغ 270 دولارًا، مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي لمدة تصل إلى خمس ساعات خلال النهار.
وتضيف: “ندفع وكأنّ الكهرباء تأتي على مدار اليوم، في أحيان كثيرة يقوم صاحب المولد بقطع الكهرباء عنّا من الساعة 12 ليلًا وحتى 6 صباحًا ما يحرمنا النوم طوال الليل خصوصًا اننا في موسم الصيف، لذا نطالب بوضع عدّادات تُبيّن حجم الاستهلاك الحقيقي وتفرض العدالة في الفواتير”.
أمّا أبو رامي، الموظف، فيعبّر عن استيائه من هذا الواقع قائلًا إن الزيادة في أسعار الاشتراك بالكهرباء غير مبرّرة على الإطلاق، في ظلّ انقطاع التيار الكهربائي، مع فرض دفع الفاتورة كاملة من دون أي رقابة أو حماية من الجهات الرسمية. ويؤكّد أنّ الحل الوحيد هو فرض تركيب العدّادات على جميع أصحاب المولدات، “فلا يمكننا أن نستمرّ في الدفع العشوائي على حساب لقمة عيشنا”.
ويقول أبو رامي إن صاحب المولد في كلّ شهر يفرض عليه زياداتٍ عشوائيةً من دون أي مبرّر مقنع حتى وصل سعر الاشتراك الى 280 دولارًا.
سعاد، الموظفة أيضًا، تعيش شهريًا المعاناة نفسها، وتتقدم بشكوى من دون جدوى، مؤكدة أنّ مبلغ 270 دولارًا مقابل 5 أمبير هو مبلغ خيالي لا يتناسب مع الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد. وتوضح: “لن تكون هناك عدالة حقيقية ما لم يُفرض تركيب العدادات، فهناك من يستهلك أقل ويدفع أكثر، والعكس صحيح”.
أمّا سامر، الموظف الذي يعمل عن بُعد من منزله، فيشكو من ارتفاع قيمة الاشتراك بشكلٍ غير مبرّرٍ، على الرغم من أن الكهرباء تنقطع لأكثر من خمس ساعات يوميًا. ويوضح أن صاحب المولد يفرض عليه دفع مبلغ 270 دولارًا مقابل 5 أمبير، من دون أي مراعاة لساعات التغذية الفعلية أو لظروف الناس المعيشية. ويشير إلى أن طبيعة عمله تتطلّب كهرباء مستقرة واتصالًا دائمًا بالإنترنت، إلّا أنّ الانقطاع المستمر يُربكه مهنيًا، ويعرّضه لخسارة عملائه، في وقتٍ بات فيه تأمين لقمة العيش تحديًا يوميًا.
ويختم سامر: “نطالب بعدّادات تضمن العدالة، فلا يمكن أن أدفع ثمن خدمة لا أستفيد منها بالشكل الكامل”.
غياب الرقابة ومافيات المولدات
يشير السكان إلى وجود مافيات تحكم سوق المولدات في رأس بيروت، وتتحكّم بأسعار الاشتراكات وتفرض زيادةً غير مبررةٍ على المستهلكين، وسط غياب تام للرقابة الرسمية من وزارة الطاقة أو بلدية بيروت.
هذه “المافيات” تستغلّ حاجة الناس للكهرباء، وتعمل على زيادة الأرباح على حساب معاناة الأهالي، الذين لا يجدون من يحميهم أو يضبط هذه السوق العشوائية.
ويطالب الأهالي بوضع عدّادات كهربائية رسمية لكل مشترك، لتحديد الاستهلاك الحقيقي وضمان الشفافية في الفواتير.
كما يطالبون الجهات الرسمية بوضع تسعيرةٍ مركزيةٍ واضحةٍ تعتمد على السعر الرسمي للمازوت وساعات التشغيل الفعلية، مع مراقبة صارمة لمنع الاستغلال واحتكار السوق.
في ظلّ الصمت الرسمي، تتزايد معاناة العائلات البيروتية، التي تجد نفسها أمام خيارين: إمّا دفع فواتير تفوق إمكاناتها، أو العيش في الظلام والحرّ وانعدام الحد الأدنى من مقوّمات الحياة. ومع استمرار هذا الواقع، تتفاقم الضغوط المعيشية على السكان، ما يعمّق شعورهم بالإحباط وفقدان الثقة بقدرة الدولة على حمايتهم وتأمين أبسط حقوقهم الأساسية.
تنسيق حكومي مشترك لمعالجة أزمة اشتراكات المولدات
كشفت مصادر مطّلعة أن تنسيقًا عالي المستوى يجري حاليًا بين عددٍ من الوزارات المعنية لمعالجة أزمة اشتراكات المولدات الكهربائية التي أثقلت كاهل المواطنين في ظلّ الانهيار المزمن في التغذية الرسمية. ويشمل هذا التنسيق وزارة العدل، وزارة البيئة، وزارة الطاقة، وزارة الداخلية، ووزارة الاقتصاد، بحيث تعمل كلّ جهة رسمية من موقعها واختصاصها لوضع حدّ للفوضى القائمة في قطاع المولدات وتحقيق العدالة في التسعير والجباية والرقابة.
وبحسب المعلومات، فإن وزارة العدل تبحث في الجوانب القانونية والتنظيمية التي من شأنها وضع أسسٍ واضحة لضبط العلاقة بين أصحاب المولدات والمستهلكين، لا سيما من خلال تفعيل دور القضاء في ملاحقة المخالفين، وإلزام أصحاب الاشتراكات بالعقود النموذجية المقرّة من الدولة.
من جهتها، تسعى وزارة البيئة إلى مراقبة الأثر البيئي لانبعاثات المولدات، في ظل تفاقم التلوث في المناطق المكتظة، وتعمل على فرض شروط بيئية أكثر صرامةً تتعلّق بالصيانة، ونوعية الوقود، والضوابط الصحية.
أما وزارة الطاقة، فتتولّى إصدار التسعيرة الرسمية الشهرية لاشتراكات المولدات، استنادًا إلى أسعار المحروقات وساعات التغذية الكهربائية، وذلك بهدف ضبط الأسعار والحدّ من التلاعب بفواتير الاشتراك.
وستقوم وزارة الداخلية بدورها بتنسيق الجهود الميدانية بين المحافظين والبلديات والأجهزة الأمنية، لضبط المخالفات وتنفيذ قرارات وزارة الاقتصاد والبلديات، خصوصًا ما يتعلق بالتسعيرة الرسمية الصادرة شهريًا.
في المقابل، تتابع وزارة الاقتصاد السوق بشكل مباشر، من خلال مراقبة التسعيرات، وملاحقة من يتقاضى رسومًا غير مبرّرة، وتفعيل الخط الساخن لتلقّي شكاوى المواطنين.
ويأتي هذا التنسيق ضمن مسعًى حكوميّ لخلق مقاربة شاملة ومستدامة لأزمة الكهرباء الموقتة، وقطع الطريق أمام الاحتكار والاستغلال الحاصل في قطاع المولدات، وسط دعوات شعبية متزايدة لتأمين بدائل عادلة وشفافة، على رأسها تسريع الخطط الخاصة بالطاقة البديلة والطاقة الشمسية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() الهيئة المصرفية العليا تبصر النور… والإصلاح ينتظر قانون الفجوة | ![]() الضغط على “الحزب”: تجفيف مالي شامل يبدأ من مطار بيروت | ![]() ودائع الدولار تحت مبدأ المساواة: مصرف لبنان يضرب بيد العدالة |